في ظل الظروف القاسية التي نعيشها في الوقت الراهن من تدمير لمعظم مناطق وخدمات الريف في كافة المحافظات ، نجد أن الازدحام الكبير والكثافة البشرية لأهالي المدينة تموضع في وسط المدينة وبالتالي يحاول كلّ منا جهده أن يتابع أموره الحياتية ونشاطاته الوظيفية كي يبقى على قيد النشاط ويستمرفيه ،لذلك نجد وبالأخص في مدينة دمشق حالة الازدحام الكثيفة صفة ملازمة في كل شيء بالبشر وبالمواصلات التي تتجول وتتنقل في شوارعها وأيضا المدارس التي انتقلت إليها أعدادا كبيرة من الطلبة الوافدين من مناطق عدة إلى جانب المؤسسات الخدمية والوظائف والمكاتب الخاصة التي تمركزت في المدينة مبتعدة عن الريف.
و من كثرة حظي الجميل كان علي أن أبدأ نهاري برحلة شيقة في باص الدوار الجنوبي كي أصل به إلى عملي فكنت أخرج من المنزل قبل بدء الدوام بساعتين كي أحظى بفسحة بسيطة على أرض هذا الدوار الجنوبي ،فالجميع متوجهون إلى أعمالهم وأشغالهم ومدارسهم ومشافيهم .
المهم المشهد ربما يكون للوهلة الأولى مخيفاً لكن ريثما تعتاد عليه تجده مألوفاً بالنسبة لك .
تبدأ الرحلة بالانتظار الذي يرافقه الخوف عند رؤية أول منظر لباص قادم من بعيد وهو يتمايل إلى اليمين و اليسار من كثرة الناس المتواجدين بداخله الى أن يقترب من الموقف الذي تتجمهر عليه أعداد ربما تفوق الأعداد التي بداخله ومع ذلك نجده يقف لربما أحد من الواقفين بسبب لياقته البدنية والرياضية استطاع أن يقفز ويحتل مكاناً داخل الباص ،فبذلك يكون السائق قد ربح أجار راكب جديد وخفف الازدحام في الشارع وكدس الركاب في الداخل هذا بالنسبة لصاحب اللياقة البدنية ،أما البقية الباقية والغالبية هن من السيدات والفتيات فإنهن يضربن أخماسهن بأسداسهن دون نسيانهن النظر إلى الوقت باستمرار حتى لا يتأخرن متأملات أن يجدن مكانا لهن في الحافلة الأخرى، ثم تعود حالة الانتظار إليّ من جديد لأقف وأنا أشعر بشعور لا يخلو من الحزن والغضب والخوف بآن واحد من المؤكد أنها ستنعكس على مزاجي ونفسيتي طوال النهار،
ثم يأتي الباص الثاني مختالا بنفسه مزهوا بها دون أن يكون هناك ولا أي موعد لقدومه نجده قادما حاملا من بعيد أمل الجميع بالصعود إليه كأنه مترنح سكران متألم مما يحمل بداخله من أطنان من اللحوم البشرية التي تفوق طاقته مع ذلك يأتي ويقف وليصعد اليه من كان بالشارع ينتظره هاربا إما من حر أو من برد أو مطر ومتأملا أن يصل إلى المكان الذي خرج من منزله لأجله محتلا مكانا أصغر من حجمه بكثير لأن الاحجام لا تبقى نفسها في الباص فهي تتمضحل وتلتصق ببعضها البعض لتكون لوحة جميلة ،في الداخل نجد الجميع يتأفف مع كل وقوف أو تغيير في السرعة الى أن يصل الى محطته الأخيرة ويصل كل فردفيه إلى مكانه المنشود فيبدأ الجميع بالنزول وكأن سدا قد فتحت جميع بواباته فتدفقت مياهه من كل حدب وصوب معلنة نهاية رحلة شاقة ستتجدد في الصباح التالي ،يصل كل شخص الى مكانه المقصود وقد انتزعت من نفسه ربما من وجوده شيئاً قد ضاع لكن أين في هذا الازدحام ؟
فنجد الطالب يصل متعبا والعامل مرهقا والأم منهكة وهذا بالتأكيد سينعكس على كافة علاقاتهم وأعمالهم طوال النهار ومع ذلك كله الجميع عليه أن يتابع حياته ونشاطاته كاملة ويعود من جديد في صباح اليوم الثاني ليصعد الى الباص ويكرر الرحلة فيه كأن شيء لم يكن ,وأخيرا هذه هي قصتنا ورحلتنا في باص الدوار الجنوبي فكل رحلة وأنتم بألف خير .
ميساء العجي
التاريخ: الخميس 4-4-2019
الرقم: 16948