في زحمة الشعر.. نادراً مايستوقفك كتاب هنا أو هناك, قصيدة تلفت نظرك وتجعلك تتابع معها إلى لانهاية, والأهم أن تجد شاعراً له خصوصية متجددة فذلك ماسيجعلك تؤمن أن الشعر باق, وإن تعرض لبعض النكسات من هذا وذاك.
(منمنمات دمشقية) إنه العنوان الذي اختارته الشاعرة ليندا ابراهيم في مجموعتها الشعرية الجديدة الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب لتفرش لنا عبق نصوصها المعجونة بالحب والحنين.
ليندا ابراهيم صاحبة الحضور الشعري المتميز والتي كتبت القصيدة متنقلة مابين الشكل العمودي وشعر التفعيلة فالقصيدة النثرية تفتتح مجموعتها بنص عريض عنونته (صلاة لأجل سورية) فتقول:
تراتيلك عصيّة على الاستجابة فلا ترتلي
لا.. لاتنشدي فأناشيدك توقظ يبابهم, لا..
لاتغني فتستفيق العصافير بقلب الحياة..
النواقيس صماءُ.. المآذن نائمة..
سدنة المعابد سادرون.. وحراس الهيكل
كلّ باع أمانته بدينار من الصمت والعماء
وحدهُم: يمامُكِ الأزليّ, وصرخات عُشاقك
أولياء الحب الصالحين.. في جنبات روحك يااااشام
ولأن الشعر عند ليندا إبراهيم هو حبها وشغفها الأول والأساس.. فسترى جمال الكلمات التي تنادي بالحب كما النقوش الجميلة على الأواني والزخارف المتميزة في لوحة الفسيفساء, ستسمع موسيقا الحنين عزفتها على أوتار القلوب لتعطي نصها التميز والبهاء والنقاء فنقرأ مثلا:
أيها الحب المتجسد أيقونة تُضيء عتمة روحي..
لطالما تقت إليك.. وأما وقد وجدتك ورأيتك..
فأشهد أنك وحدك مَن بنفسي وقلبي وروحي
حتى آخر رمقٍ لي في هذه الحياة..
إنني أشهدك.. فاشهد يامولاي الذي بروحي
وفي أحد نصوصها تؤكد ابراهيم من خلال ماقدمته أن الصدق في الأدب ينطلق من عاطفة المبدع وانفعاله, لأن ماخرج من ذاتها وصميمها وصل إلى ذاتنا وولج فيها.. والصدق تحقق لامحال, لطالما شعرنا بروح المفردات وألوانها, وباللغة الشعرية المميزة والمكثفة التي جعلتنا نعيش تفاصيل النص فتقول:
عندما تمر روحك على المعنى
يزداد اشتهاءً ويُخصب فيضاً قدسياً..
وإذا بالشعر ينحني لسيدة الجليل..
مواكب البنفسج تُسوّر جهات
القلب.. لقد ملّ ظلّكِ العالي
شموخ البنفسج الوطيء.. وحده الحزن
وروحك العارية, وبعض من ثمالة قلب.
وعلى نفس الوتيرة من السرد المتميز تسير صاحبة مجموعة «لدمشق هذا الياسمين» لتكتب إلى أمها وفي عينيها دمعة حائرة حزينة:
حدّة شعورها وقوة حساسيتها لاحدود لها..
رغم ابتسامتها البريئة
إلا أن روحها جدران من التعب..
كل لحظة أتنفسك فيها.. أخشى أن تكون الأخيرة..
افتح رئتي على مصراعيهما
علّني أحتويك فلاتهرب مني لحظة الشهقة الأخيرة.. ها أنذي روح تهومُ بلا جسد
عند مفارق النسيم الشذية تزاور روحك
وتعطيها نفحة النقاء الأبدية..
ولأن الشعر في مجموعتها غيمة هاطلة للخير يسقي الأرض فيزهي نبتها زاهراً, ولأنه الحب الأول والأخير والتعبير الحقيقي عن الذات المبدعة كتبت ابراهيم نصاً بعنوان (إلى الشعر) محوّلة كتابتها الشعرية إلى احساس عالي المستوى, مستخدمة نقاء روحها الذي تجلى للقارئ فكان بياض الصدق في البوح, والحقيقة الجلية التي تسكن فكرها.. فقالت:
مدينةُ لكَ بروحي.. ضوءاً على ضوءٍ..
وألقاً على ألق
مدينةُ لوجهك الإلهي مُذ اختار روحي
وقال لها: اقرئي
فنطقت: باسم الشعر قدوس الحب الأوحد
مدينة لك أن عجتَ على أطلال عمري
فأحلتها قصوراً من عطرٍ وممالك من ياسمين
عمار النعمة
ammaralnameh@hotmail.com
التاريخ: الخميس 4-4-2019
رقم العدد : 16948