يقول أوكتافيو باز: «..الفكاهة لم تتشكّل إلا مع سيرفانتس… هي الابتكار العظيم للروح الحديثة»، ويعلّق على قوله الروائي ميلان كونديرا: «ليست الفكاهة إذاً الضحك والسخرية والهجاء، إنما نوع خاص من الهزل، يقول عنه باز (وهذا هو المدخل لفهم جوهر الفكاهة) إنه يجعل كل ما يلمسه غامضاً»..
مختلف تفاعلات ذاك النوع من الغموض المختلط هزلاً، يجعله متوائماً ومعنى «اللاجد».. الابتعاد عن العبوس المجحف بحق الفكاهة.
هل نحتاج حالياً أن نكون جديين.. أم لاجديين..؟
غالباً ما نحتاج أرطالاً من الفكاهة لعلّها تموّه شيئاً من أطنان الجديّة المؤذية.. مع أن كونديرا نفسه الذي جعلها وسيلة، في أهم كتبه، للإيماء بغاياته، يعود ليقول: «لو سألني أحد عن السبب الأكثر تواتراً لسوء الفهم بيني وبين قرّائي، لما ترددت بالإجابة: الفكاهة».. ربما يعود الأمر لأسراب الغموض التي تتجلل بها مقاصد كل ما يقال على سبيل الفكاهة.. وبالتالي تتعدد تفسيراتها ومقاصد صاحبها.
هل تنجينا الفكاهة من الجدّيّة المفرطة..؟
كلّما زادت قتامة العيش، نحتاج إليها أكثر، مع أن الغالبية غير قادرة على استيعابها أو ممارستها.. لأنها تحتاج إلى مستويات عالية من الذكاء.. وحسبما ذكر بعضهم، من أخص خصوصياتها أنها «تُدخل فوضى في النظام اللغوي والتصرف الاجتماعي المعروف لأن محتوى الفكاهة مبدئياً هو تحريك الحوار إلى مستوى أعلى وتدويره حتى يكون خارج المنطق اليومي وخارج عن القياس ويكون بذلك الحوار فرديا شخصيا فريدا من نوعه».
هي إذا خلطة من الفرادة، الغموض، الألمعية، تتمزج جميعها لتتشكل ما يعاكس «الجديّة المؤذية».. أو ما يتفاداها.. وكما لو أنها أداة وقاية من كل ما يحيط بنا وينغص العيش.
بعض علماء الاجتماع جعلوا للفكاهة نظريات، منها ما دافع عنه الفيلسوف توماس هوبز تحت مسمّى «نظرية التفوّق».. وبالفعل لا يكون مخترع الفكاهة إلا كل مَن تجاسر على اجتراح طريقة عيش قادرة على تخطّي كل أشكال الموت/الموات التي تخلّفها الحروب.. وهو ما يمثل تفوّقاً عبر تطويع يومياتنا وإعادة خلقها «فكاهةً».. إنها حيلة «عكس الجد».. لابتكار روح متجددة تتصاعد من غبار الأزمات.
رؤيـــــــة
لميس علي
lamisali25@yahoo.com
التاريخ: الخميس 4-4-2019
رقم العدد : 16948

السابق
التالي