لا تزال في حياتنا قضايا تُثير الاستغراب أحياناً، على الرغم من أنّ حلّها سهلٌ وممكن، ومع هذا نتركها هكذا تتراكم بلا اكتراث، لتتحوّل إلى حالةٍ مزمنة تزداد تعقيداً وصعوبة، فتتحوّل – هكذا بالمجّان وبلا طائل – إلى مرضٍ يصير من الصعب علاجه، تماماً كالحالة المَرَضيّة التي يمرّ بها اليوم بعض أعضاء الهيئة الفنية في الجامعات السورية، والذين كنّا قد طرحنا معاناتهم هنا منذ أكثر من عامين، وقد بحّت أصواتهم منذ سنواتٍ طويلة وهم يكافحون وينتظرون بلا فائدة، وهؤلاء كانوا قد تعيّنوا في الجامعات بعد تخرّجهم بمرتبة (قائم بالأعمال) ثم جدّوا واجتهدوا، وحصلوا على درجة الماجستير، ومن بعدها الدكتوراه، لينتقلوا بعدها إلى شريحة ما يُسمى (الهيئة الفنية) تمهيداً لارتقائهم كي يكونوا لاحقاً أعضاء في الهيئة التدريسية، وهنا قُطعت طرق الوصول، ووضعت في وجوههم عراقيل الدنيا، بما يضمن عدم وصولهم إلى الهيئة التدريسيّة، وكأنّ انتقالهم – بالشكلِ – إلى هناك يُرتّبُ مخاطر جسيمة، تُقيم الدنيا ولا تقعدها..! على الرغم من أنهم – عملياً ومضموناً – يمارسون دور كل من هم في الهيئة التدريسيّة، تدريساً وتصحيحاً ورصداً ومراقبة.
الأنكى من ذلك أن وزارة التعليم العالي تطرح بين وقتٍ وآخر مسابقات لحملة شهادة الدكتوراه من خارج الجامعات، للانضمام والعمل في الهيئة التدريسية، فينجحون ويعملون وينضمون إلى تلك الهيئة، على مرأى ومسمع أولئك المنتظرين التوّاقين إلى مثل هذه الحظوة من أعضاء الهيئة الفنية..!
عندما طرحنا هذه القضية منذ أكثر من عامين، تلقّينا وعوداً بالحل، وذلك عبر احتمالاتٍ ثلاثة، إما أن تُجرى مسابقة لهؤلاء المظلومين خاصة بهم وبلا تعقيدات، أو أن يُفوّض رؤساء الجامعات بتسوية أوضاعهم، أو أن يُسعى لإصدار تشريعٍ يحسم لهم أمرهم، وأمر كل من سيأتي بعدهم إلى الهيئة الفنية، ولكن هذه الوعود زادتهم غبناً، وفيما ارتسمت على وجوه بعضهم ملامح الأمل، اعتبر أكثرهم أن الأمر مجرد وعودٍ فارغة، لا ترقي إلى أكثر من كونها محاولة لتسكين الآلام.
استغربتُ وقتها من أولئك المتشائمين الذين لا يُقيمون وزناً لوعودٍ مسؤولة..! ولكنني اليوم، وبعد مضيّ هذا الزمن كله بلا اكتراثٍ ولا اهتمام، والإبقاء على الحالة بمثل هذا الجمود واللامبالاة، صرتُ مستغرباً من أولئك الذين ارتسمت على وجوههم ملامح الأمل، فالوعود لم تكن أكثر من فارغة فعلاً، لتنقلب المسكّنات إلى محرّضاتٍ على مزيدٍ من الألم..!
في الوقت الذي نسمع فيه أننا نقيم اهتماماً كبيراً لكوادرنا البشرية، ونعي أنهم ثروة حقيقية، لها منعكساتها الاجتماعية والاقتصادية.. ونحثّ على تقييم أدائهم لتحفيز الجيدين منهم، فإننا بالمقابل نبذل كل هذا الجهد من أجل تعطيش بعضهم، وهم على ضفاف الغدير..!
علي محمود جديد
التاريخ: الأثنين 8-4-2019
رقم العدد : 16951