أعلن الرئيس الرابع عشر للولايات المتحدة ممانعته ورفضه مستخدما الفيتو ضد قرار صادر عن الكونغرس يقضي بإلغاء مشاركة واشنطن في الحرب القائمة على اليمن، التي لم تحظ بالإجازة من مجلسي الشيوخ والنواب، معبرا عن ذلك بقوله: «إن القرار ما هو إلا محاولة غير ضرورية وخطيرة لإضعاف سلطاتي الدستورية، وتعريض حياة المواطنين الأميركيين وجنودنا الشجعان للخطر في الحاضر والمستقبل»
في ظل سلسلة المغامرات العسكرية المأساوية المنفذة مؤخرا التي عمدت الولايات المتحدة إلى زج قواتها بها، أصبحت الحرب القائمة على اليمن ينظر إليها باعتبارها غير ذات أهمية في حال ضربنا صفحا عن معرفة ما حل بآلاف المدنيين الذين قتلوا وجرحوا نتيجة الغارات الجوية التي شنتها القوات الجوية السعودية المدعومة بشكل مباشر من قبل الولايات المتحدة.
إذ لم تسقط الطائرات الأميركية بالذات القنابل المسؤولة عن المجازر التي حدثت في اليمن. لكن ما أقدمت عليه الولايات المتحدة يتمثل بتقديم المعدات الحربية والمعلومات اللازمة والوقود الجوي،إذ إن واشنطن لم ترتكب أعمال قتل بشكل مباشر، بل إنها عمدت إلى تسهيل مساعي أولئك الذين يخوضون هذه الحرب، لذلك لم نشاهد ثمة دماء تخضب الأكف الأميركية بشكل واضح.
من الصعوبة بمكان معرفة مصالح الولايات المتحدة لتبرير المشاركة في هذا النزاع الاشكالي والبعيد، وإذا صنفنا النزاع باعتباره حربا بالوكالة بين السعودية وإيران، فربما سيقودكم الظن إلى أن اشتراك الولايات المتحدة في اليمن يشكل جزءا من استراتيجية أوسع هدفها منع الهيمنة الإقليمية الإيرانية، لكن هذه الذريعة تنطوي على افتراضين إشكاليين الأول أن للولايات المتحدة مصلحة في هذه الحرب، والثاني أن هذا الاشتراك الأحمق يشكل ضرورة لكون السعودية جديرة بالدعم الأميركي،لذلك فكلا الافتراضين يستحق التدقيق والتمحيص.
الأهم من ذلك، أن السلطة العليا في الولايات المتحدة المتمثلة بالرئيس دونالد ترامب أقرت بأنها تقف إلى جانب المملكة العربية السعودية في حربها على اليمن نتيجة السخاء السعودي في شراء أسلحة أميركية الصنع، ما يبقي المجمع الصناعي العسكري واقفا على قدميه، فالمشاركة الأميركية في الحرب على اليمن لم تكن نتيجة استراتيجية مخطط لها، بل إنها مجرد علاقات مع زبون يتمثل بالسعودية، ويجري التحسب من غضبها، خشية التحول بأعمالها ومشترياتها إلى دول أخرى.
وفي هذا السياق، قال ترامب أمام مجموعة من الصحفيين إبان العام الفائت : «لا أرغب في وقف استثمار تجني منه الولايات المتحدة ما يناهز 10 مليار دولار، وهل تعلمون ما سيفعل زبائننا؟ إنهم سيأخذون أموالهم لانفاقها في روسيا أو الصين أو مكان آخر»
وإزاء ذلك، لا تقولوا لي أن ادعاءات الرئاسة الأميركية المناهضة لقرار الكونغرس القائم على إنهاء الاشتراك الأميركي في هذه الحرب سيعرض «حياة الشعب والقوات الأميركية للخطر في الحاضر والمستقبل» فذلك ليس سوى هراء في هراء.
بالمقابل، فإن ما أشار إليه ترامب في عبارة «سلطات دستورية» تستحق الأخذ بعين الاعتبار، على الرغم من أن عبارة «السلطات الدستورية الإضافية» كانت ستكون تعبيرا أكثر دقة،فالرئيس متمسك بالحفاظ على امتيازات تنازل عنها الكونغرس بحماقة وعدم مسؤولية للرؤساء السابقين في كلا الحزبين.
يعتبر الدستور أن الرئيس يمثل القائد العسكري الذي يترأس الحروب الأميركية،ويعهد الدستور للكونغرس مسؤولية إعلان الحرب، لذلك فإنه يعد الفرع التشريعي الذي يعمل لصالح الشعب واتخاذ القرار بشن الحروب، لكن على ما يبدو أن الكونغرس قد تخلى عن المسؤوليات المنوطة به لجهة الحرب على اليمن.
وكما فعل العديد من أسلافه (ومثال على ذلك تدخل أوباما السافر في الشأن الليبي) نجد ترامب صادر صلاحيات إعلان الحرب التي من المفترض أن يعهد بأمرها للكونغرس الذي يعد الجهة المشرعة، إلا أن الكونغرس قد أتاح لترامب تنفيذ ما يقره ويرغبه عندما أخفق في إجهاض فيتو ترامب المتعلق بقرار الحرب على اليمن.
مرارا وتكرارا شاهدنا ترامب يعلن عن رغبته بإنهاء العديد من الحروب الطويلة المستمرة، بيد أن تصرفاته في قضية اليمن تفند ذلك الادعاء.
لقد سمعنا ما يطلقه أعضاء الكونغرس من تصريحات متواصلة تتعلق بطاعة الدستور. لكن ما يثير الأسف، أنه عندما رغب أولئك الأعضاء بتعديل صلاحيات الحرب الموكلة وفقا لما تشير له النصوص الدستورية، فإن قلة قليلة هي من أولت اهتماما للقيام بتصحيح الأخطاء.
بقلم: أندرو باسيفيتش- The American Conservative Magazine
ترجمة: ليندا سكوتي
التاريخ: الأربعاء 24-4-2019
الرقم: 16963