هي بحد ذاتها مدرسة في التمثيل، ومثال يُحتذى به في الأداء، إنسانيتها العالية وحبها الكبير لعملها ودفق إحساسها كلها أمور تظهر حتى من خلال أدق التفاصيل في الشخصية التي تؤديها، تبث الدفء في مفاصل الدور فيخرج مُشبعاً من روحها، إنها الأم التي تنوس في عاطفتها بين الضعف والقوة، بين الحنو والقسوة، تلك الأم التي تشبه الكثير من الأمهات اللواتي نعايشهن في الحياة حقيقية وليست مجرد ممثلة تؤدي دور (أم)، لقد وضعت الشخصية في إطارها الصحيح وسط الكثير من الأحداث التي تمر بها، إنها الأم اللبوة التي تخاف على أبنائها حتى من أنفسهم، هذه المعالم الرئيسية للشخصية التي تؤديها الفنانة الكبيرة ثناء دبسي في مسلسل (ترجمان الأشواق) إخراج محمد عبد العزيز، وتأليف بشار عباس، وإنتاج المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني.
أقول لمن يود أن يتعلم درساً في التمثيل وإن علت أسهم نجوميته فليتابع أداء الفنانة ثناء دبسي ليعرف كيف يمكن أن ينبش في الشخصية لحد يستطيع فيه تقديمها من لحم ودم وإحساس عالٍ يصل إلى المتلقي بعمق وسلاسة دون تكلّف أو اصطناع، فمن الواضح تماماً طريقة اشتغالها على الشخصية بعمق ودراية بكل ما يتعلق بها وبتاريخها وحتى البحث في التفاصيل بما فيها نبرة الصوت وتلوّنه، وآلية بنائها لها لإظهار عوالمها الداخلية وكيفية تفكيرها، وبالتالي تعاطيها مع المستجدات كمحاولتها البحث عن ابنها الذي تم أخذه للتحقيق معه بعد عودته من الخارج، ومن الأمثلة الأخرى تعاملها مع كتبه التي رأت أنها أودت به إلى السجن فهي فأل نحس وما كان منها إلا أن قامت بحرقها، وكيفية تفاعلها اليومي ضمن المنزل وخارجه، وتأثرها بخطف حفيدتها.. كثيرة هي المشاهد التي ستبقى في الذاكرة وتحمل بصمة وتوقيع الفنانة ثناء دبسي.
الثورة – فؤاد مسعد
التاريخ: الثلاثاء 14-5-2019
رقم العدد : 16977