ملحق ثقافي:
في دراسته للعنف الإنساني، يستفيض يورج بابروفسكي في كتابه “الإنسان والعنف” في هذه الخصيصة التي يتميز بها الكائن البشري، ليس لأنها محصورة فيه، بل لأنه يتفنن فيها ويخضعها لمآربه، وعبرها يمكنه أن يقود ويسيطر ويخضع.
من عنف الأفراد إلى عنف الدولة، ومن القرون الوسطى إلى العصر الحديث، يتتبع يورج بابروفسكي أوجه العنف المتنوعة التي يمارسها الإنسان، محاولاً فهم كيف يؤثر العنف على البشر ويعيد تشكيل حيواتهم.
أنه لا يهدف لإدانة فئة عنفية بعينها، أو مرحلة زمنية محددة، بتهمة ممارسة العنف، كذلك لا يعيد ترويج الإجابات المكررة عن دوافع العنف وممارسة الإنسان له، بقدر ما يسلط الضوء على وجوه العنف المتعددة التي نتورط في ممارستها بوعي أو من دون وعي، عبر هذه الرؤية التي تسعى للمساءلة والبحث، لا للوصول إلى حقائق مطلقة.
يسلط بابروفسكي الضوء على علاقة الإنسان بالعنف الممتدة عبر التاريخ، وفي مختلف الثقافات والمجتمعات. ويقول في مقدمة الكتاب: “ينتشر العنف في كل مكان، يتضارب الناس ويتقاتلون مبررين ذلك بدافع الطاعة، أو لكونهم مجبرين، أو بحكم العادة، أو بدافع السعادة، لقد قضيت سنوات كثيرة من حياتي أبحث عن إجابة سؤال ما يفعله الناس في العنف؟ وكيف يشكل العنف الناس؟”.
ويضيف: “يغير العنف كل شيء، ومن يتعرض له يصبح شخصاً آخر، معايشة العنف شأنها شأن رحلة إلى عالم جديد، حيث تسود قواعد أخرى ويعيش أشخاص آخرون، ما أن تطأ قدمك موطن العنف حتى تعرف أنه لم يعد أي شيء كما كان، وقد كتب الجندي ويلي ريس يقول إنه لم يستطع مطلقاً نسيان وحشية العنف، والتي كان شاهداً عليها، فقد نظر إلى قاع الروج الإنسانية ولمس فظائع الحرب، ريس، المهووس بالكتب، مرهف الحس، أصبح شخصاً آخر، منذ أن رأي الجحيم وقتل نساء وأطفالاً، وأمطر جنود الأعداء بوابل من رصاص سلاحه الآلي”.
هل الإنسان المعاصر أقل عنفاً من إنسان العصور الوسطى، وإلى أي مدى ساهمت الحياة المدنية الحديثة في ترويض العنف البشري، أم العكس، هل الإنسان المتحضر أصبح أكثر شراهة لممارسة العنف، لكن عبر صور جديدة ومختلفة عن صور العنف المعتادة.
ويضيف: “عندما أخضعت القوات الفرنسية الجزائر لسيطرتها في منتصف القرن التاسع عشر، أُُخمدت المقاومة بإرهاب الجزائريين بلا رحمة، حيث قطعوا رؤوس سكان القرى ودمروا منازلهم، فأصبحت بعض المناطق خالية من السكان، بعد أن مر بها الفرنسيون”. صدر الكتاب عن دار صفصافة بترجمة الدكتورة علا عادل.
التاريخ 21-5-2019
رقم العدد:16982