محاولةٌ أولى.. ثانية.. ثالثة.. كم من الأوراقِ مزَّقتُ، في محاولة بحثي عن جدوى الحياة التي امتَهنتُ.. أنَّبتني الأفكار ولم يعذرني الانتظار، فلتعذرني الصفحاتُ وأنا الممزقة بآلافِ الحقائق، على تمزيقي لذاكرةِ الورقِ الذي يراقصُ ظنوني بالحرائق..
أيتها الأوراق الممتلئة بأسرارِ أغواري، أأنتِ مضطرَّة لتحمّل منغِّصات انهماري؟!. لتحمُّلِ آهاتِ الكلمات. تلك الغافية على منصّة أحلامكِ المحاطة بأشواكِ اللحظات..
أيتها الأوراق المحاطة بالأحداثِ القاهرة، انصتي لمفرداتي التي أتقنتْ فنَّ وشوشتكِ المتنكِّرة.. بنبضٍ يسري في قلبٍ حزين، يتسارعُ الفضاءُ فيهِ تحليقاً في الحنين، وبتداعياتٍ تردُّنا إلى هيئتنا المُستحبَّة، وإلى ما يبلسمُ الوجدان والإنسان بالمحبَّة..
إنها هزيمتي وإخفاقي.. أرقي المتيَّم بعناقي.. هزيمتي أمام أعداد الكلمات القتيلة وجعاً يئنُّ بالهذيان، وإخفاقي لخيبتي في حضرةِ الأوطان.. أرقي الذي لا يتعافى ولا ينام، إلا عناقاً لا يُداهمهُ الظلام..
فيا الحياة، أطلقي حواسكِ تصدَّ اختراقي فتُرديني امرأة من تساؤلات.. ترديني بسخريةٍ أجهض بها توقعاتها.. أطلقي حواسكِ، ولملمي بإحساسك، بقايا وقار العواطفِ وبلا عواصف.. علّها، ترتدُ عن يبابِ سعيها.. اقترفي النجاة من حناياكِ كي لا أبقى مصلوبة في غوغاء أناكِ.. كي لاأبقى حنيناً يتقزَّم، كلّما انزلق وتكلَّم.. كي لاأبقى مغيّبة إلا في يقظتي الصاخبة..
كي لاأبقى وسأبقى في عيون الأمومة الشاسعة في أرضنا، العيون التي نرنو بها إلى بعضنا.. العيون التي لا ينعدم فيها الضوء، والتي نُهذي بها عشقاً يعافيهِ الوضوء. بصحوِ شمسها وشمسنا، هي الغافية أبداً في عمرنا..
نراوح في مساحتها المكتظّة بنزيف، أحبَّة افتدوها بالحرفِ والدمِّ الشريف. يفيض العشق منها فتفيض، بحياةٍ لا وجود فيها للأغرابِ والعبيد..
إنه زمن السقوط جهراً، في مفرداتٍ ارتجفت وهي تعبرنا سراً.. ارتجفتْ وهي تجلدنا بحقيقتها المعقَّدة، وأزمنتها الفاسدة.. بسقوط إنسانيتها، وانكسار عافيتها.. بتمزّق مصيرها، وانفصام ضميرها..
إنه زمن الكفرِ المزركش بآلافٍ من اللعنات. وبكلِّ مايجعله قاصماً لمظاهرِ وتكاثرِ الحياة.. بكلِّ مايجعلهُ ويجعلنا، صفحاتٌ توجعه وتوجعنا.. كلماتٌ من فجيعة، تسطرنا بعزلةٍ مريعة..
هفاف ميهوب
التاريخ: الاثنين 27-5-2019
رقم العدد : 16987