تراجعت حدة التصريحات الأميركية تجاه إيران، تراجع معها جنون التهديد بالحرب، ورغم أن بوادر بفتح أبواب التفاوض لم تظهر، ولا ظهرت حتى بوادر أو إشارات بقيام طرف ثالث بدور الوساطة من أجل التفاوض، إلا أن حركة واشنطن التي تَنوس بين حدين تبدو حركة محسوبة لجهة استثمار الحالة، وقد تُقيم إدارة دونالد ترامب فيها طويلاً لاستنزاف ونهب الخليج مجدداً.
أولى المُؤشرات التي تُدلل على ما تَقدم تتمثل بما أعلنه مايك بومبيو من مُسوغات التجاوز على الكونغرس لتمرير 22 صفقة سلاح غير مُكتملة تتجاوز قيمتها 8 مليارات دولار للسعودية والإمارات، والأردن، بذريعة حفظ الاستقرار ومساعدة الدول الحليفة لأميركا بحماية نفسها من إيران وردعها، ذلك بتعزيز قدرات الدفاع الذاتي لدى شركاء أميركا، ودائماً حسب ما جاء ببيان وزير الخارجية بومبيو!.
إذاً، دوافع التجاوز على الكونغرس، ومعادلة الالتفاف عليه هي: الحرص على الاستقرار، الحرص على الحلفاء وتَمكينهم من الدفاع الذاتي عن النفس، وردع إيران، ولا علاقة لها بدوافع الاستثمار في الخوف والتخويف بهدف بيع السلاح وتحقيق المزيد من الأرباح؟!.
المعادلة هنا، في هذه الحالة، هي من أغرب المُعادلات، إذ لا رابط بين أطرافها المُتعددة إلا الكذب من جهة، والحقد والتهور من جهة ثانية! ولا حالة نافرة تبدو انعكاساتها واضحة جلية إلا باستعداد الكاذب والمتهور، البائع والشاري، للاجتماع على المُتناقضات طالما أن ذلك يُبقي على التوتر بالمنطقة، يُلهب أجواءها، كسبيل لمُمارسة الضغط على إيران، سورية، المقاومة، كحلف ومحور ينتصر، ولا تَعرف واشنطن كيف تَمنعه من أن يُراكم أسباب قوته؟!.
بمُقابل تراجع حدة التهديدات الأميركية لإيران، فإنّ أي تراجع عن الخطوات العدائية لم يُسجل، إن لجهة التحشيد اعتماداً على فُتات مؤتمر وارسو، أو على قاعدة النفخ بتشكيل (ناتو عربي صهيوني) للغاية ذاتها، بل تَكاد واشنطن لا تَدع يوماً يمر من دون أن تذهب فيه باتجاهات التصعيد والدفع لمزيد من احتمالات التفجير، فما تقوم به في العراق، وما تواصل العبث به في سورية، مثال صارخ يُجسد حالة الجنون والفشل، أيهما يَتسببُ بالآخر؟.
معادلة أخرى غريبة. لا شك أن الفشل المتكرر يقود لحالة الجنون والهستيريا، هي الحالة التي يَتلمسها العالم لدى بولتون وترامب وبومبيو، ولكن هل الفشل كنتيجة إلا أحد أسباب الجنون الذي بات سمة أساسية مميزة للبيت الأبيض؟ وهو ما يجب تَظهيره، ذلك أنّ لاجترار واشنطن فبركات الكيماوي بسورية ما يتصل بالعجز والفشل وبالجنون. وذلك أنّ لتراجع التهديدات ضد طهران ما يتصل منه بقوة طهران وبرسائل الردع التي لم تتأخر، وليس لأيّ أسباب أخرى تتصل بالعقل والحكمة!.
علي نصر الله
التاريخ: الأثنين 27-5-2019
رقم العدد : 16987