بصيغة اندفاعٍ، لتحقيق غاية شد المتلقي تقوم مختلف الأنواع الدرامية المقدّمة لنا خلال موسم السباق السنوي، بفرز حكايا تشتغل وفق مبدأ إلقاء طعم البداية..
على هذا النحو بدأنا نشاهد أعمالاً عديدة تنتهج أسلوباً متواتراً يبتغي الحفاظ على نسب مشاهدة عالية وبالتالي تقوم برمي لغزها التشويقي منذ الحلقة الأولى.
غاية مشروعة، لكنها تُبطل في أحيان كثيرة ذاك البناء المتصاعد في تسلسل الأحداث وصولاً إلى ذروة الحبكة.. وكأنما لا يحتاج ذاك الإيقاع المتسارع لسرد حكاية تُبنى وفق نمو الحدث «المفلوش» على مرأى أبصارنا بطُرق مختلفة.
ومع ذلك ثمة شيء يوحي بقيام بعض الأعمال باستجماع أركان حكايتها باعتماد البنية السردية ذات التصاعد المنطقي للحدث/الأحداث.. أبرزها لهذا الموسم يتمثل بـ(عندما تشيخ الذئاب)، (مسافة أمان)، مع أن هذا الأخير جمع بين ميزة «شرارة البدء» المشوّقة، ونمو الحدث التصاعدي.. وبهذا يلتقط ميزات الجودة النصية، دون أن يهمل ما يبتغيه «السوق الإنتاجي».
في لقاء مع الفنان غسان مسعود، بُثّ مؤخراً على قناة (RT)، ذكر في إجابته عن إحدى الجزئيات، أن للفن دوراً توعويّاً، ولا ينبغي أن يكون كل ما يُقدّم تحت مسمّى الفن، تسلوياً ترفيهياً..
مسبار التلقي يمكن له أن يفرز الجيد عن السيئ، وله أن يمايز بين عبارات توظّف في النصوص بطريقة غاية في الاتقان، تكثّف وتلخّص.. وترد كطُعم شراراتٍ تفتح سككها في الذهن.. ولهذا يمكن لمجسّات التلقي أن تتلقّف عبارة قيلت على لسان المميزة سمر سامي في (عندما تموت الذئاب) قائلة: «النظافة بهالوقت بتّعب كتير».. وأن ينطق صاحب الأداء الاستثنائي سلوم حداد مؤدّياً شخصية الشيخ عبد الجليل في ذات العمل، بكثير من الدهاء، قوله: «شو بدنا بالكرسي إذا كانت دواليبه ورجليه بإيدينا».. أو كأن نسمع الراوية شكران مرتجى في (مسافة أمان)، بحرقة، تنطق عبارتها: «طلعت اللحمة الوطنية يلي بيناتنا من لحم ودم، فعلاً من لحم ودم»..
وغالباً ما يكون الحفاظ على قيمة فكرية حقيقية للفن-الذي يتجلّى هنا عبرالأعمال الدرامية- متمثّلاً بصياغة حواراتها بأبعاد تحترم عقل المتلقي وترفع من سوية وعيه. وما يمنع انزلاق الدراما في فخ الاستسهال والاستهتار بذائقة الجمهور يتأتى عبر تقديم مضامين يحملها حوارٌ غني كما شاهدنا في العملين السابقين وأيضاً في الكثير من مشاهِد «ترجمان الأشواق» لاسيما المشهد الذي يلتقي فيه «نجيب، عباس النوري» بابنته «آنا، ولاء عزّام».. من ذلك ما قالته له أثناء بوحها له: «هون الناس كلها بتختلف بصوت واطي، إنت ليش مُصرّ تختلف وتعلّي صوتك»..
عبارات تشكّل وتختصر فسيفساء درامية تنهض بغايات أعمالٍ قيلت فيها..
أو هي تجميعات أو نتف.. يبدو وجودها كما لو أنه طوق نجاة لمختلف الأعمال المقدمة.. مؤدّيةً دور الطبق الرئيسي ضمن تشكيلة أطباق الدراما المنوّعة.. وتؤكّد أنه بالفن «الحقيقي» وحده يمكن إعادة ترتيب واكتشاف جماليات ربما كانت متوارية في نصوصهم.. ولعلها تقوم بوظيفة «التورية»، إخفاء هنّات تتجمع في بقية أطباق تُعرض، ليست أكثر من مقبلات خفيفة لا تُشبع.
lamisali25@yahoo.com
لميس علي
التاريخ: الجمعة 31-5-2019
الرقم: 16991