بين الأمس واليوم مسافة نظر خطفت كل التفاصيل رغم تراكمها..هي الأيام تمضي بحلوها ومرها ، ننسى بعضها ونتذكر بعضها الآخر .ننحني على ما تبقى من انجازات ثابتة في الذاكرة، من زينوا موائد الوطن بطعم النصر، وعبّدوا طرقاته بملح الكرامة..أبطال أشداء قدموا التهاني على امتداد الجغرافيا..
ومن أبوابه الواسعة عزف الوقت ألحانه وسارعت الأصوات تبارك لهفة العيد بأغنيات طفولية ، اعتادت طقوس الفرح والألم على السواء ..طفولة سورية خبرت عن قرب طعم السرور وهي تعيد للملاهي والأراجيح في الحارات والشوارع والحدائق ذكريات عافية وسلامة وأمان ..كانت عنوان حياة ورفاهية معنوية ومادية..
لم تكن العائلة محتارة في التحضير لأيام العيد المباركة..فقبل اسبوع من قدومه تنتشر روائح أقراص العيد من كل نوافذ المنازل حيث النساء السوريات صانعات ذوق ومهارة وتشكيل فني لكل ما يروق النفس والمائدة ..فالوضع المادي كان ميسرا وضغط الحاجة في أدنى درجاته ..وتحضيرات السفر لا تأخذ وقتا .ومعايدات الأهل والأقارب والأصحاب موضّبة على أكمل وجه..
اختصرت الظروف القاسية مساحات كبيرة من بساطنا الواسع وسع حدود الوطن ,واغتال لئام العصر منجزات فرحنا التي لا تعد ولا تحصى ، شوّهوا صور الجمال ،وأفسدوا كل معالم الخير.خربوا فسيفساء المجتمع بأذواقه وألوانه ومزاجه ، واعتكفوا الصلاة على الأموات بطريقتهم الدامية.
جربوا في مختبرات الوجع كل معالم الصبر والتحمل لشعب حير عدوه بحبه وإيمانه لترابه ووطنه وقيادته وجيشه..شعب نفض عن كاهله غبار التعب الذي علق به لبعض الوقت ،وأزاح من طريقه عثرات المرور مهتديا بأنوار الحق التي يضيئها الجيش العربي السوري البطل الذي أعاد لنا طقوس الفرح وجعل لأعيادنا طعما ولونا بفضل تضحياته الكبيرة ودماء شهدائه الطاهرة..
في عيد الفطر الموصوف بالسعيد نأمل من أصحاب القلوب السوداء والرمادية الذين اعتادوا على القضم والهضم واقتناص الفرص في المناسبات الدينية والاجتماعية وغيرها أن يغسلوا بعضا من تشاؤمهم ، وينظروا بمرآة نفوسهم المتكسرة ،كيف تهشمت بعين الواقع والمجتمع،حين غردوا خارج سياق منطق العطف والشفقة والرحمة وتقديم المساعدة لمن أفقرتهم الظروف قسرا وضاقت بهم سبل الحياة .وهم مازالوا يعزفون على أوتار الجشع والطمع وتخمة الجيوب.
نأمل أن ينظر هؤلاء إلى كرام النفوس ممن كانوا عونا وسندا لوطنهم وشعبهم في كل الظروف وكيف كانوا جسرا ودعما وغيرية اجتماعية وحمية وطنية على مدى سنوات الموت ، يبلسمون جراحا ويسترون عائلات مشردة أنهكها ذل السؤال في رحلة التغريب عن ديارها بفعل الارهاب وسلوك المجرمين.
نأمل بيقظة ضمير ان يكون الوطن هو عمود النور ومحراب الحياة، وهو من يغني ويسمن من جوع .هو نافذة الأمل الحقيقية لمن أراد العيش بطمأنينة وسعادة أبدية. هو أجمل حلم وخير واقع، هوية لا ينكرها إلا الأفاقون ، وما أكثرهم في هذا الزمن.
ستبقى سورية وكما عهدناها ترفل بثوب النصر والانتصار ترسم بسمة هنا وتبلسم جرحاً هناك ..إنها حكاية وطن تختلف عن كل الحكايات .. فكل عام وسورية جيشا وشعبا وقائدا بألف خير.
غصون سليمان
التاريخ: الثلاثاء 4-6-2019
الرقم: 16993