«الهروب لا يعني مطلقاً التخلي عن الفعل، فلا شيء أشدّ نشاطاً من الهروب».. ويتماهى حينها ومعنى عبور الأفق، النفاذ إلى حياة جديدة.. رسم بداية مشتهاة على مقاس حلم المرء.
ضمن كتابه «محاورات»، يضيف جيل دولوز: (الهروب لا يعني بالضبط الارتحال ولا حتى الحركة).. مفسّراً أن عملية الهروب يمكن القيام بها في المكان ذاته، عبر رحلة ساكنة مثلاً.
هروب في نفس المكان..!
هل يحمل حينها رائحة هذيانات تدفع المرء هروباً من نفسه..؟
يعود دولوز ليحُكِمَ قيدنا إلى دائرة تساؤله الماكر، متنبهاً إلى أن «الهروب عمليةً ملتبسة»:
«ما الذي يخبرنا بأننا، على خط الهروب، لن نجد من جديد ما نهرب منه..؟
ماذا نفعل حتى لا يختلط خط الهروب مع حركة تدمير ذاتي خالصة وبسيطة؟»
ويتسرّب إلينا بعضٌ من مكر سؤاله.. فإذا ما كان الهروب ممارَساً من قبل مختلف الناس، بطريقة واعية أو لاوعية، وبكل هيئاته حركية أو نفسية..
كيف يمكننا رسم خط هروبنا المتأنّق..؟
بالنسبة لمطلق كاتب، هل تعني الكتابة هروباً، أم إياباً إلى ذات المبدع نفسه..؟
«ربما تكون الكتابة في علاقة أساسية مع خطوط الهروب. الكتابة، تعني رسم خطوط هروب، ليست متخيلة، ولابدّ من اتباعها، لأن الكتابة تلزمنا بها، وتورّطنا بها».
بهذا المعنى تكون الكتابة هروباً من صيرورة إلى صيرورة أخرى.. ربما.
في الكتابة يتكرس الهروب «بإنتاج الواقعي، وخلق الحياة»، لا العكس.. الاستقرار إلى صيرورات شخصيات ولو كانت تشظيات مختلقة عن ذات المبدع..
لدى فيتزجيرالد، الكاتب الأمريكي، يبدو هدف الكتابة متجانساً تماماً مع خلق القطيعة الحقيقية: «خط الهروب ليس رحلةً في بحار الجنوب، بل اكتساب مجهولية، أن يكون المرء مجهولاً أخيراً»..
وكيفما كانت طرقهم في رسم قطيعتهم.. وصيروراتهم المتخيّلة، لكلٍّ طريقته الخاصة في رسم خط هروبه المدموغ ببصمته وحده.
لميس علي
lamisali25@yahoo.com
التاريخ: الخميس 20-6-2019
رقم العدد : 17005