ملحق ثقافي ..إعداد: رشا سلوم :
على ما يبدو أن الرواية في العالم كله تعمل للخروج من مطيات كثيرة، وتسعى من أجل تجديد روائييها الذين يسعون لتحقيق الشهرة العالمية، وجيل الكتاب الشباب هم المعتمد عليهم في المهمة التي يريدونها أن تكون قادرة على ترك البصمات التي تبقى طويلاً وتؤسس لمشهد جديد. أخبار الأدب المصرية في عددها الأخير قدمت بانوراما واسعة حول الروائي ماركوس جولدمان، وهي ترى أن روايته على غاية من الأهمية. ومما قالته دينا مندور حول الرواية:
كاتب شاب يُدعي ماركوس جولدمان، لاقت روايته الأولى نجاحاً كبيراً، لكنه نجاح زائل كأي شيء، حيث أخذ الناشر يطالبه برواية جديدة ويهدده بملاحقة قضائية إذا لم يسلِّم الكتاب الجديد في الموعد المحدد. يقرر ماركوس الذهاب إلي «نيو هامبشاير» عند الكاتب الكبير، صديقه القديم وأستاذه في الجامعة «هاري كيبر» لعله يجد بعض الإلهام، إلا أنه يعود كما ذهب. وبعد أيام يتلقى اتصالاً هاتفياً يقلب حياته؛ إذ تم القبض علي هاري كيبر بعد أن عثرت الشرطة علي جثة مختفية منذ 33 عاماً في حديقة منزله، لفتاة في سن الخامسة عشرة، فيبدأ ماركوس رحلته لإثبات براءة صديقه وكتابة روايته الجديدة.
تحت عنوان «حقيقة قضية هاري كيبر» خطَّ الكاتب السويسري «جويل ديكر» تلك الأحداث، وهي الرواية التي حصلت على جائزتي الأكاديمية الفرنسية و»جونكور دو لوسين»، بعد صدورها في 2012، وحققت نجاحاً منقطع النظير علي المستويين النقدي والتجاري، ولم تتوقف عن تصدر قوائم البست سيلر، رغم أن مؤلفها لم يكن قد أكمل عامه الثلاثين حين صدرت، وبذلك يكون أصغر فائز بجائزة الأكاديمية الفرنسية.
كتب «ديكر» روايته الأولى «الأيام الأخيرة لأبانا» في 2010، فحققت نجاحاً متوسطاً ونال عنها جائزة كتَّاب جنيف، ليصل إلي القمة سريعاً مع روايته الثانية تلك، التي تحوَّلت إلى مسلسل تليفزيوني أمريكي عُرض عام 2018، من بطولة «باتريك ديمبسي» و»بن شنيتزر».
الرواية بصدد الصدور باللغة العربية عن المركز القومي للترجمة قريباً، بترجمة دينا مندور، رئيس سلسلة الجوائز بالهيئة العامة للكتاب، وقد استغرقت عامين تقريباً في العمل عليها، وها نحن ننشر في الصفحات التالية الفصل الأول منها.
يوم الاختفاء
(السبت 30 أغسطس 1975)
ـ شرطة النجدة، ما بلاغك؟
ـ ألو.. اسمي ديبورا كوبر وأسكن في سايد كريك لان. أعتقد أني رأيت حالاً فتاة تدخل إلى الغابة ويتبعها رجل.
ـ ما الذي حدث بالضبط؟
ـ لا أعرف! كنت بجوار النافذة، أنظر في اتجاه الغابة، حين رأيت هذه الفتاة تركض بين الأشجار… ورجلاً يتبعها… أعتقد أنها كانت تحاول الهرب منه.
ـ أين هما الآن؟
ـ لم أعد أراهما. إنهما داخل الغابة.
ـ سأرسل لك دوريّة على الفور سيدتي.
كان هذا هو البلاغ الذي ارتجت له مدينة أورورا، في ولاية هامبشاير. اختفت في ذلك اليوم نولا كليرجان فتاة من المنطقة في الخامسة عشر من عمرها. ولم يتم العثور على أي أثر لها أبداً.
(33 عاماً بعد الاختفاء)
كان الكل يتحدث عن الكتاب. لم أعد أستطيع الحركة داخل مدينة مانهاتن في هدوء، ولا أن أمارس رياضة الجري في الشارع دون أن يلتفت إلي المارة قائلين بتعجّب: «هيه، إنه جولدمان! الكاتب!»، بل قد يركض بعضهم لبضع خطوات ليلحق بي ويطرح الأسئلة التي تدور في رؤوسهم جميعاً: «هل ما ذكرته، في كتابك، هو الحقيقة؟ هل فعل هاري كيبر ذلك حقاً؟ وفي مقهى ويست فيليدج الذي أرتاده عادة، لم يعد بعض الزبائن يترددون في التحدث إليّ حين أجلس على طاولتي: «أنا أقرأ كتابك الآن، سيد جولدمان، لا أستطيع أن أوقف نفسي! كان الأول جيداً، والآن هذا أيضاً! هل دفع لك أحدهم حقاً مليون دولار لتكتبه؟ كم عمرك؟ ثلاثون عاماً بالكاد؟ بل لم تكمل ثلاثين؟ وها أنت تكدّس كل هذه الأموال!» حارس البناية التي أسكن فيها والذي كنت أراه يقرأ الرواية بنهمّ بين فتحة باب والفتحة التي تليها، احتجزني طويلاً أمام المصعد بعد أن فرغ من الكتاب ليفصح لي عن مكنونات قلبه: «إذاً، أهذا ما حدث لنولا كليرجان؟ أي رعب! لكن كيف يمكن أن نصل إلى هذا الحد يا سيد جولدمان؟ هيه؟ كيف يكون ذلك في الإمكان؟
نيويورك بأكملها مفتونة بكتابي؛ لم يلبث أن ظهر من أسبوعين وتصدّر قوائم المبيعات للعام الحالي في كل القارة الأمريكية، الكل يريد معرفة ما حدث في أورورا في عام 1975. يتحدثون عنه في كل مكان: في التليفزيون، الراديو والجرائد. لم أبلغ بعد الثلاثين وأصبحت، بهذا الكتاب، الذي لا يتعدى كونه كتابي الثاني، الكاتب الأشهر في البلاد.
إن القضية التي ألهبت أمريكا، والتي اتخذتها أساس روايتي، تفجرت منذ بضعة أشهر، في بداية الصيف حين تم العثور علي رفات فتاة اختفت قبل ثلاثة وثلاثين عاماً. هكذا بدأت الأحداث في ولاية نيو هامبشاير كما ستَرِدُ في هذه الصفحات، وبدونها كانت مدينة أورورا ستبقى مجهولة بلا شك بالنسبة إلى باقي أمريكا.
التاريخ: 25-6 -2019
رقم العدد : 17008