قراءة… ريم البياتي: عندما ينهش سرطان خبيث جسد الوطن..كلّنـــا كريـات بيــض تدافع عنـه

عندما تزغردُ القصيدة احتفاءً ببطولاتِ حماة وطنها، لابدَّ أن تُحيِّي بهم الكلمات المتَّقدة في نبضها.. القصيدة الصرخة في زمنِ الصمتِ الذليل، والكلمات المُقاومة لكلِّ عدوٍّ ومتآمر وعميل، صرخة الحقِّ المبين، تدوّي في «ظلّ الياسمين»:
/في ظلِّ عزفكَ تنصتُ الأنغامُ/ عَجِزَ الفطينُ وحارتِ الأقلامُ/ قومٌ إذا غفلَ الأنامُ فإنهمْ/ سَهِروا وكلّ العالمينَ نيامُ/ يتقاطرونَ إلى المنيَّة رغبةً/ وتفرُّ من أهوالِها الأَقوامُ/ بيضُ الوجوهِ كأنَّ في وجَنَاتهم/ صُحفُ الكليمِ ورَتَّلَ الإقدامُ/ وعلى الأكُفِّ ضراعةٌ وتشهُّدٌ/ صلُّوا على طُهر التُرابِ وناموا/ ياحجَّةُ النصرِ العظيم ِوبابهِ/ من كلِّ آياتِ الكتابِ سلامُ/..
إنها صرخة «يسرى رجب مصطفى» أو «ريم البياتي» وهو اللقب الذي اختارت أن تُلقِّب نفسها به، وأن تُطلق رسالتها من خلاله: «فلتخرس أقلام الشعراء، إن عجزت أن ترسل نوراً ليضيء طريق الفقراء».
حتماً هي رسالةُ الوجدان، ومن شاعرةٍ مثلما عاهدت قصيدتها بألا تُحمِّلها إلا معاناة وأوجاع الإنسان، عاهدتها بأن تسمو به في وطنه، وكلّما فاضت فيه الكرامة، وارتوت أرضه بدماءِ قديسي هذا الزمان. شاعرة، لأنها اختارت آلام الفقراء عنوانها، اضطرَّت لإهدائهم كلماتَ ديوانها: «أيها الماضون في دربِ الشقاء/ اعصبوا الجرحَ بروحي/ وانهضوا/ إنَّكم/ ملحُ هذي الأرض/ نبض الكبرياء»..
هو ديوانٌ لابدَّ لمن يقرأ فيه، من أن يشعر بأن مفرداتها تعنيه.. يتتبَّع ما تؤديه من صلاة الكلام، ومن قلب وأنفاس الشام..
/صباحُ الكِرامِ صباحُ الظفرْ/ وأرضٌ هي المُبتدا والخبر/ صباحٌ أطلّتْ به الشامخات/ على قاسيونَ/ شقيق القدرْ/ فمن قال يوماً/ تموتُ الشآم/ وحَقَّكَ/ كان قصير النظرْ/.
لاشكَّ أنه العشق، الذي جعلها تعانقُ سوريتها بنبضِ دمشق… العشقُ الذي سرى في دمها فحرَّضها، على مواجهةِ أعداءِ عروبتها بقصائدِ مقاومتها.. القصائد التي نراها تُرفع لتصفع، كلّ من تسوِّل له أحقاده الهمجية، الاعتداء على أي عربي لا يهادن أو ينساق أو يوافق على الاقترافات اللاإنسانية…
كيف لا.. والوجع واحدٌ والجرح سوري؟!!.. الشآم تنزف والعراقُ تعرف: «في القلبِ/ مابين الأُذَيْنِ وبين شُبّاكِ البُطينْ/ سكنَ الهوى بالأبهرينْ/ تعدو الشآم على مدارجِ خافقي/ ويجيءُ/ يلثُمها العراقُ بقبلتينْ/..
أيضاً، فلسطينُ تنزفُ والقدس تعرف، بأن أُخوة اللانخوة، قد خانوا وباعوا وما صانوا، الشرف والدمّ العربي.. لكن، لأن ضمير الشعر يقظٌ أبداً، لابدَّ أن يُعلن وبصوتٍ وفي:
/برغمِ الموتِ/ في وطني/ ورغم الشَّوك والمحنِ/ مازالت شراييني/ تقاسمكمْ/ كرياتِ الدمِ العربي/ ومازالت/ بنادقنا/ تيمم شطرَ/ قبلتكمْ/ فلا تتوهموا أنّا نسيناهمْ/ وأن سلاسلاً غُلّت بها قدمي/ ستطبق كفّ أسراهمْ/ ولاتتوهموا أنّا أضعناهمْ/ سيبقى الرابضون هناك من نسبي/ وتبقى القدس بوصلتي/ ولو شاهتْ/ وجوه القوم من عجمٍ/ ومن عربِ/.
إنه الرفض المقاوم، لكلِّ عدوٍّ وحاقد وظالم.. رفضُ شاعرةٍ من بلدٍ قرأت في أبجديته، ما جعلها تأبى إلا تكون الناطقة بحقيقته.. شاعرة، تدافع عن كلِّ شقيقٍ يطاله غدر وإجرام «خفافيش الظلام». عن اليمن التي سعت لكفكفةِ أوجاعِ صنعائها، وبصوتها الشاهقُ بندائها:
/كُفِّي اللثام/ وحدِّقي في عُريهم/ الموتُ أجبن من عيونٍ واثقهْ/ وتلفَّعي قلبي/ وأوردةَ الحياة الدافقةْ/ لاتجزعي../ فالصبحُ يا آزال موشوم/ بضادٍ ناطقةْ/..
هكذا يكون نداء ابنة القلبِ السوري، وهي ترى كرامة العرب تُهدر على مرأى عالمٍ غارقٍ في صمتهِ المخزي، بل وهي تراها تُجرُّ بمن اعتادوا الذل بعد أن خلعوا عنهم إلا الحقد والانتهازية.. من خانوا أوطانهم فكانوا الأوبئة التي قالتُ عن عدواها المستشرية: «عندما ينهش سرطان خبيث جسد الوطن، فكلّنا كرياتٌ بيض تدافع عنه.. تموت قافلة وتتقدم أخرى.. نعم، نرى تلك الثآليل ولانغفل عنها، ولكننا نؤجِّلها لنقتل ذاك الخبيث ونعود لها.
في وطني الجريح، الكثير من اللصوص، والكثير من الفاسدين، والكثير من المنافقين الذين انتشروا في كل بقاع الكون وشحذوا سكاكين حقدهم.. لكن، فيه أيضاً مالا يحصى ممن مازالوا يقولون كل صباحٍ، وبصدق التراب: «حماة الديار عليكم سلام».. فيه «أشرعة الضياء» ويكفيه منهم أنهم ارتقوا لأجله شهداء..
/ماكنتُ أعرفُ/ كيف يغدو الموتَ ألعاب الفتى/ فيمدُّه خيطاً/ ليسقط في الفراغ/ ويعتلي ظهر الغمام/ حتى رأيتُ ديار أهلي الصبح/ تنفض موتها وتسير/ والقدمان تنتعلان أشرعة الضياء/ وتختفي سحب الركام/….
ياموطني/ ما أزهرتْ أغصان مجدك/ واستبانَ الضوءُ وانكفأ الغبار/ لولا رجالٌ/ مثل سامر والبقيَّة من رفاقِ النُّور/ فاحملهم كما حملوكَ/ رايات انتصار/..
هي أشرعة، لابدَّ أن تدفع القصيدة إلى يقينها بأن «لن تمتْ السفوح»، ولأنها في أرضٍ وإن غُمرت بدماءِ أبناءِ قلبها، إلا أنها دماء أحياءٍ سروا إلى القممِّ بنشيد روح:
/ياأيُّها السفحُ المسيَّج بالنقاءِ/ من أيِّ شرعٍ أسودٍ مرتْ وجوهُ الاشقياء؟/.. من الذي غضَّ البصيرةَ/ عن معاناة الظباء؟.. يارب كيف أشحتَ وجهاً عن يماماتِ السفوحْ/ والصخرُ في تلكَ الظهيرة كان في شجنٍ ينوحْ/.. رحلوا/ وقبلَ رحيلهم/ نقشوا على لوحِ الضمير/ ثوب الحياة لفقرهم خرقاً تلوحْ/ وبموتهم تبنى الصروحْ/.
إنهم أبناءُ سوريَّتها.. أبناءُ أرضها وتضحياتها.. أرضُ المقاومة وقضيَّتها.. البلادُ التي ردَّت «شوك السنابل» إلى قصيدتها:
/هذه الأرضُ بلادي فدعوها/ كلّ ما فيها صبورْ/ زرقةُ الأمواجِ/ جذرُ السنديانْ/ بؤبؤ العينين/ أوكار النسورْ/ أصدقاءُ الصمتِ/ أطفالي/ وأرقام القبورْ/ حجر الصوان/ أمشاط الصبايا/ ورجالٌ تُلبس الموت قميصاً للنشورْ/..
هذه الأرضُ بلادي فاتركوها/ نحنُ سكّان المدارات التي لن تعرفوها/ نسكبُ الملحَ على عَلقِ السواقي/ فاتركوا قمحي وزيتي/ ودعوا أبواب بيتي/ كلّ ما فينا صبورْ/..
باختصار.. هو غضبُ الشِّعر والشاعر على كلِّ قاتلٍ غدَّار.. غضبه /في الزمنِ الفاصلِ بين الطولِ وبين العرضْ/ في عمقِ النقطةِ/ بين الضلعِ وشهقةِ أرضْ/.
غضب الحرفِ يُشرق ولا أفول، لحرفٍ يصهلُ غضباً مع «غضبِ الخيول».. يصهلُ بأمر الشِّعر: «أيها المارّون حذار أوردتي.. أيقظوا الفجر»..
لا أحتفي/ وخرائطي نُثرتْ/ ومدائني قبلَ الضُحى نُشرتْ/ وسنابلي/ عجفاء مذ بُترتْ/ وترمّلتْ ناعورة الوادي/ هو ذاتهُ اليوم الذي سَفحت أكوابهُ/ أنوارَ باصرتي/ وذئابهُ عبثتْ بقافلتي/ لكنني/ غضب الخيول تسوسها لجمٌ/ سأظل أمسكُ شهقتي الأولى/ وأحيلها/ في وجه جلادي/.
هفاف ميهوب

التاريخ: الخميس 27-6-2019
رقم العدد : 17010

آخر الأخبار
New York Times: إيران هُزمت في سوريا "الجزيرة": نظام الأسد الفاسد.. استخدم إنتاج الكبتاجون لجمع الأموال Anti war: سوريا بحاجة للقمح والوقود.. والعقوبات عائق The national interest: بعد سقوط الأسد.. إعادة نظر بالعقوبات على سوريا بلدية "ضاحية 8 آذار" تستمع لمطالب المواطنين "صحافة بلا قيود".. ندوة لإعداد صحفي المستقبل "الغارديان": بعد رحيل الديكتاتور.. السوريون المنفيون يأملون بمستقبل واعد باحث اقتصادي لـ"الثورة": إلغاء الجمرك ينشط حركة التجارة مساعدات إغاثية لأهالي دمشق من الهلال التركي.. السفير كوراوغلو: سندعم جارتنا سوريا خطوات في "العربية لصناعة الإسمنت" بحلب للعمل بكامل طاقته الإنتاجية الشرع والشيباني يستقبلان في قصر الشعب بدمشق وزير الخارجية البحريني عقاري حلب يباشر تقديم خدماته   ويشغل ١٢ صرافا آلياً في المدينة مسافرون من مطار دمشق الدولي لـ"الثورة": المعاملة جيدة والإجراءات ميسرة تحسن في الخدمات بحي الورود بدمشق.. و"النظافة" تكثف عمليات الترحيل الراضي للثورة: جاهزية فنية ولوجستية كاملة في مطار دمشق الدولي مدير أعلاف القنيطرة لـ"الثورة": دورة علفية إسعافية بمقنن مدعوم التكاتف للنهوض بالوطن.. في بيان لأبناء دير الزور بجديدة عرطوز وغرفة العمليات تثمِّن المبادرة مباركة الدكتور محمد راتب النابلسي والوفد المرافق له للقائد أحمد الشرع بمناسبة انتصار الثورة السورية معتقل محرر من سجون النظام البائد لـ"الثورة": متطوعو الهلال الأحمر في درعا قدموا لي كل الرعاية الصحية وفد من "إدارة العمليات" يلتقي وجهاء مدينة الشيخ مسكين بدرعا