يحاكي ما تبقّى من المشهد في الشمال السوري بجزئيه، ذاك الخاضع لميليشيات أردوغان الإرهابية من جهة وذاك الخاضع لميليشيات ترامب ومرتزقته من جهة أخرى، لناحية جموده المفرط باتجاه الحل أو لجهة المفردات الواضحة حول تموضع كل طرف، نفس السيناريوهات المعدّة والمرسومة للدولة السورية والتي لا تزال تتحكم بسلوك وسياسيات محور الإرهاب والعدوان بشكل عام، ولا سيما النظام التركي والولايات المتحدة الأميركية، حيث لا يزال كل طرف يتشبّث بدعم مرتزقته وأدواته وأذرعه من أجل تحقيق أوهامه الاحتلالية وطموحاته الاستعمارية المتجددة.
ضمن هذا السياق يراوح الوضع السياسي وكذلك الميداني مكانهما دون حدّ أدنى من الفعالية وذلك بسبب متلازمة الأهداف والطموحات التي تسيطر على عقول وسياسات منظومة الإرهاب، وهذا بدوره ما يدفع تلك الأطراف ليس إلى التهرب والتملص من الالتزامات والتعهدات التي قطعتها فحسب، وإنما لإدارة الظهر بشكل كلي عن كل القواعد والمعادلات المرتسمة على الأرض، وهو ما ينطبق بطبيعة الحال على إدارة ترامب التي تراجعت عن قرار سحب قواتها من شمال شرق سورية «منطقة الجزيرة السورية» ونظام أردوغان الذي أخلَّ بكل اتفاقاته والتزاماته مع الجانبين الروسي والإيراني سواء في آستنة أم سوتشي.
فالولايات المتحدة الأميركية وبرغم إعلانها الرغبة بالانسحاب الكامل من الأراضي السورية لا تزال تسعى للبقاء تارة بذريعة محاربة الإرهاب الذي استحضرته وقامت بدعمه وتغذيته بأشكال مختلفة، وتارة بدافع مواجهة ما تدّعي أنه نفوذ قوى إقليمية تشكّل خطراً على المصالح الأميركية، وهذا الطموح الأميركي مطيته ما يسمى مرتزقة قسد الذين باعوا أنفسهم للشيطان وآثروا ارتداء الخيانة لوطنهم وشعبهم لتحقيق أوهام انفصالية مريضة لا تخدم سوى الكيان الصهيوني وحلفائه من دول غربية ذات أجندات استعمارية متجددة.
أما النظام التركي فيبدو الأكثر استشراساً في السعي لتحقيق أهدافه التوسعية في الجغرافيا السورية على خلفية أزماته الداخلية بحيث لم يدّخر جهداً للعبث في المشهد السوري منذ بداية الحرب على سورية، وهو من أجل ذلك يحاول الإمساك بجميع خيوط التنظيمات الإرهابية في مدينة إدلب كي يحرّكها كيفما يشاء ويدفعها للتصعيد كلما تحرّكت عجلة الحل السياسي للأمام من أجل عرقلتها وتعطيلها، وهذا جزء لا يتجزأ من محاولاته التصيّد في المياه الآسنة والابتزاز في الهوامش السياسية المتروكة أمامه من قبل حلفاء الدولة السورية على أمل استعادته من الحضن الأميركي، وضمه إلى جهود التسوية والحل، ويدخل في هذا السياق ما نقلته مصادر مقربة من المجاميع الإرهابية قبل أيام عن قيام النظام التركي بإعادة إحياء تنظيم ما يسمى (جند الأقصى) الإرهابي الذي صنّفته الخارجية الأميركية في أيلول 2016 تنظيماً إرهابياً يتبع لـ (جبهة النصرة)، من أجل الزج به في معارك ريف حماة لمواجهة الجيش العربي السوري والقوات الجوية الروسية، حيث ذكرت مصادر مقربة من (حركة أحرار الشام) الإرهابية أن أنقرة اختارت الإعلان عن مشاركة (جند الأقصى) بتسميته الجديدة (أنصار التوحيد) في المعارك مع انطلاق هجوم إرهابييها مع إرهابيي (النصرة) قبل أيام على محوري كفرهود والجلمة.
وفي هذا الجو وضمن نفس السياق أيضاً تستمر الدولة السورية بثباتها على قرار محاربة الإرهاب حتى سحقه بالكامل من الجغرافيا السورية، من أجل القضاء على مختلف الذرائع الأميركية والتركية للبقاء طويلاً في هذه الجغرافيا، وعلى هذا الأساس جاءت معركة إدلب بشكل خاص ومعركة الشمال بشكل عام لتعيد ترتيب الأوراق السياسية المبعثرة بقوة الميدان، وتنهي ما تبقى من طموحات وأوهام معسكر الإرهاب والعدوان، وتسقط كل محاولات الابتزاز والاستثمار من قبل الولايات المتحدة والنظام التركي عبر الاحتفاظ بوجود عسكري على الأرض يمكنهما من الدخول في معادلات ميدانية تترجم لاحقاً على شكل مكاسب سياسية، وعليه فإن إنهاء ملف إدلب عسكرياً، سيُفضي بالضرورة إلى فتح ملف الجزيرة السورية باعتبارهما المتبقيان الأخيران في قبضة الإرهابيين والعملاء، وهو ما يعني بالضرورة أن الأهداف الأميركية والتركية المأمولة ستدخل في نفق سياسي لا مخرج له عاجلاً أم آجلاً.
كل ما سبق ترجمه الجيش العربي السوري في الميدان خلال الأيام الماضية حيث كانت رسائل دمشق واضحة في هذا المجال لجهة عدم التهاون في التعامل مع التنظيمات الإرهابية وخروقاتها المتكررة لما يسمى خفض التصعيد، حيث حقق الجيش العربي السوري اختراقات كبيرة في صفوف الإرهابيين عبر تدمير العديد من تحصيناتهم وغرف عملياتهم ومستودعات أسلحتهم ، ولاسيما في ريف حماة الشمالي حيث خاضت وحدات من الجيش اشتباكات عنيفة مع مجموعات كبيرة من إرهابيي (جبهة النصرة) والفصائل التابعة لها.
في المقابل تكشف التنظيمات الإرهابية كل يوم تقريباً عن بؤس خياراتها المتبقية وحقدها الدفين على المدنيين باعتداءات إرهابية جبانة على القرى والبلدات الآمنة في ريف حماة لتطول قذائف الحقد والغدر المواطنين هناك متسببة بدمار في منازل الأهالي وممتلكاتهم.
فؤاد الوادي
التاريخ: الخميس 27-6-2019
الرقم: 17010