يرقد المشهد برغم وجومه المفرط على باقة من الانزياحات التحولات المتوقعة ليس في التصريحات والمواقف والسياسات فحسب، بل على صعيد الاستراتيجيات والإنجازات الميدانية التي قد تغير من صيرورة الأحداث بشكل عام وهذا بالطبع ينسحب على الجانب الإيجابي كما ينسحب على الجانب السلبي منه، فليس من المعقول أن يبقى الجمود ملازماً للوضع الراهن على الأرض، ونحن هنا لا نتحدث عن الحالة السورية فحسب، بل نتحدث عن الحالة العامة في المنطقة أيضاً، في ظل تزاحم الملفات وتضارب المصالح والمواقف بين الولايات المتحدة من جهة وبين حلفائها وأصدقائها من جهة أخرى.
الخط البياني للأحداث يشير إلى أنه لا يزال خارج حالة الانضباط والاستقرار أي أن نبضاته ما تزال تراوح بين الارتفاع المقلق والانخفاض المخيف وهذا مرده إلى عدم تبلور موقف دولي وإقليمي واضح حيال التعاطي مع المشهد السوري بشكل خاص والإقليمي بشكل عام، وهذا نتاج واضح لتضارب المصالح كما أسلفنا، والذي خلف وراءه حطام من التوقعات والخيارات المفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها الكارثية، لاسيما مع وجود ذلك الفائض الكبير في العربدة والغطرسة الإسرائيلية التي تدعمها القوة الأميركية العمياء في ظل وجود رئيس أميركي يدير سياسة بلاده الخارجية بعقلية التاجر الجشع الذي يلهث وراء الربح بغض النظر عن الوسيلة والطريقة ومهما كان الثمن، خصوصاً مع تواجد قطعان من الوحوش والغربان والصهاينة داخل الإدارة الأميركية تحاول الدفع بخيارات الحرب والتفجير، وهذه القطعان يرأسها كما بات معروفاً الصهيوني جون بولتون.
حديثنا عن انزياحات وتحولات متوقعة خلال المرحلة المقبلة – سواء أكانت تلك الانزياحات في التصريحات والمواقف أم كانت في السياسات والاستراتيجيات – لم يأت من فراغ أو من عبث بل من واقعية اللحظة ومنطقية تسلسل الحدث، فليس من المعقول أن يبقى المشهد أسيراً للطموحات والأوهام البالية أو أن يبقى محكوماً بتضارب المصالح والنفوذ وسباق المكاسب والأثمان، فلا لطرف من تلك الأطراف أن يدفع ثمن الانتقال إلى مرحلة جديدة يتم فيها تجاوز هذا العصف السياسي الخارج عن المنطق والفارغ من الشكل والمضمون.
والحديث عن الطرف الضحية يوصلنا بسرعة إلى الحديث عن النظام التركي الذي قد يدفع به إلى أن يكون قرباناً لتجاوز هذه المرحلة لأنه بات الحلقة الأضعف على الأرض بعد امتلاك دمشق وحلفائها لزمام المبادرة بشكل كامل في الميدان بحيث يستحيل تحت أي ظرف من الظروف العودة خطوة واحدة إلى الوراء، وهذا ربما يفسر الحضور الإسرائيلي على خط النار بين الفينة والأخرى بهدف دعم التركي ورفع معنويات أدواته وإرهابييه، وبهذه الحالة يصبح النظام التركي مجبراً هو الآخر على التضحية بإرهابييه في الشمال السوري من أجل أن يخفف من آثار الصدمة التي سوف تدفعه إلى خيارات أخرى تكتيكية يوحي فيها أنه من يخرج سياق المعادلة الدولية، ومن أبرز تلك الخيارات الحاضرة على طاولة أردوغان والتي يبازر ويبارز فيها الأميركي بشكل معلن ارتماءه الأعمى في الحضن الروسي، وهذه البيئة باتت جاهزة برغم التهدئة المزيفة بين واشنطن وأنقرة التي تحدث عنها ترامب بالأمس على خلفية صفقة صواريخ الـ «إس 400» الروسية التي اشترتها تركيا من موسكو.
إذاً المرحلة الحالية برغم ذلك الصمت المريب الذي يلف المشهد والذي تحاول أطراف الإرهاب كسره بالتهديد والوعيد والضغط والتصعيد والعدوان تعيش حالة من المخاض العسير الذي يمهد لولادة مرحلة جديدة بعناوين وحوامل تستند إلى المعادلات والقواعد التي وضعتها ورسمتها الدولة السورية بدماء وتضحيات شهدائها وأبنائها الأبطال.
في سياق التحولات المرتقبة تبرز التحضيرات لقمة جديدة من محادثات (أستنة) كحدث بارز يتصدر المشهد الذي بدا فيه الحراك السياسي مكثفاً خلال اليومين الماضيين، حيث جاءت زيارة علي أصغر خاجي كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية لدمشق لتحرك المياه السياسية من جهة وباتجاه مواصلة محاربة الإرهاب من جهة أخرى، حيث جرى استعراض المراحل التي قطعتها الحرب على الإرهاب في سورية والرد على الاعتداءات التي ترتكبها التنظيمات الإرهابية المنتشرة في إدلب بحق المدنيين في المناطق المجاورة إضافة إلى مستجدات المسار السياسي والجولة المقبلة من محادثات أستنة والأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية.
و في تصريح للصحفيين قال علي أصغر خاجي: إنه بحث في دمشق التطورات الإيجابية والبناءة على المستويين السياسي والميداني في سورية وأنه كان هناك تأكيد مشترك على ضرورة ترسيخ وتعزيز العلاقات الاستراتيجية والمميزة بين البلدين الشقيقين.
فؤاد الوادي
التاريخ: الخميس 4-7-2019
رقم العدد : 17016