لتسليط الضوء على كتاب (الحروب على سورية) اختار ميشيل رامبو عبارة الكاتب المصري نجيب محفوظ: (يكذبون.. ويعرفون أنهم يكذبون.. ويعرفون أننا نعرف بأنهم يكذبون.. ورغم ذلك يستمرون بالكذب أكثر وأكثر بكثير)
والغرض من هذا رغبة منه لتوضيح حقيقة الحرب السورية التي صورتها وسائل الإعلام وبعض الخبراء بشكل سيء. فالدبلوماسي ذم هؤلاء المفكرين الذين (أضاعوا احترامهم بالقوة باهتمام للرأي العام أكثر من الحقيقة بحجة تجنب التهميش والعزلة)، أما ميشيل رامبو فيصف (الحرب في سورية) تماماً كما جرت فعلياً بفظاظتها وقسوتها وليس الخيال الذي قدمته الجماعة الدولية بشكل مسمم.
الكتاب وواضح، فهو يتحدث عن سورية كما نحبها، (قلْب تاريخ العالم هذا) هذه الدولة التي ينبغي أن يحبها كل إنسان متحضر ومحب، ميشيل رامبو يتحدث بوضوح فهو لا يحتار، لا يتورط في الأجواء العزيزة على الدبلوماسيين، ولا يبرأ أي شخص تصرف تصرفاً خاطئاً، ولا يخلط بين المُعتدي والمعتدى عليه، فمن جهة هناك دولة شرعية عضو في الأمم المتحدة وتتمتع بحق الدفاع عن النفس وحماية سيادتها، ومن جهة أخرى هناك حشد (أشعث من الإرهابيين، قاطعي رؤوس، متوحشين، آكلي لحوم بشر).
الكاتب لا يخفف المسؤولية، وهو يشير إلى الولايات المتحدة وحلفائها فرنسا وبريطانيا -على رأس القائمة- والمتواطئين الشرقيين (الذين عملوا ما بوسعهم لدمار سورية ونموذجها الاجتماعي، وهويتها كدولة عريقة، ووعيها التاريخي فكل ما تكرهه الأنظمة الظلامية تريد أن تجتزه مهما كان الثمن -أكثر من ستين دولة أساءت إلىسورية.
ضمن إطار مجموعة أصدقاء سورية، تحت إشراف الإدارة الأميركية تم دعم المجموعات المسلحة بما في ذلك جبهة النصرة بالتعاون مع الولايات المتحدة والمخابرات الأميركية، لم يساوم أحد على الوسائل كذلك لم يذكر الكاتب أن شركة Caterpiller وفّرت آلات حفر الانفاق لمساعدة إرهابيي الغوطة في حفر أنفاق تحت الأرض لتسهيل حركة المركبات. أحد مديري هذه الشركة هانستمان جي آر هو سفير الولايات المتحدة الحالي في روسيا، كم العالم صغير!! حرب سورية ليست كتيّباً إنما هو كتابا موثقاً ودقيقاً.
هو كتاب جيوسياسي ضروري لفهم الشرق الأوسط، في هذه الأثناء حيث لا يزال التوتر مستمراً، يعلمنا ميشيل رامبو ويذكرنا أنه وفق المذاهب المختلفة جميعها التي ألهمت المحافظين الجدد الذين يرغبون بزرع الفوضى هنا وهناك على الكوكب: بدءاً من (عقيدة نورثوودز) إلى الفوضى الإبداعية مروراً (بنظرية المجنون)، وحتى (القيادة نحو الخلق) هذه النسخة الأخيرة من مذاهب التدخل التي طورها أوباما عام ٢٠١١ والتي خدمت الحروب في ليبيا وشاطئ العاج (عادت لتخفي (العقل) الحقيقي خلف الحلفاء الأوروبيين). وبعبارة أخرى، من خلال ملاحظة الحرب السورية ووضعها في وسط استراتيجية تسعى إلى إضعاف الدول، وخلق التوتر والفوضى، لا يمكن للقارئ المميز إلا وأن يقارن بينها وبين الوضع في الغرب الإفريقي الحالي.
من الواضح أن رامبو لم ينسَ الشعب السوري. كيف يمكنه هذا؟ يعود الكاتب إلى الأحداث والأرقام الرهيبة: آلاف الضحايا والجرحى بالاضافة إلى ملايين اللاجئين، التدمير الكبير للبنى التحتية، تخريب الآثار الإنسانية، هجرة الأدمغة والحسرة على قلب تاريخ الإنسانية.
هذه الحرب التي استمرت ثماني سنوات طويلة لم تنتهِ بعد، لكن لابدّ أن يمنح يوماً ما هذا الشعب الشهيد العدل. هل ستكون عدالة للرابحين أم نصر للعدالة؟ كما يقول الديبلوماسي: (احترام الشرعية الدولية يعني أنها لا تزال موجودة، ضمن الإطار الحالي، القضية السورية ليست مجرد مسألة فكرية إنما هي قبل كل شيء تحدياً قانونياً). من سيحقق العدالة وعلى أي أساس ستبنى الحقيقة؟ في هذا الكتاب، أشار ميشيل رامبو إلى مسؤول غربي عالي المستوى سرّ لمحدثه: (لقد تمادينا جداً في الكذب مع شعوبنا فكيف يمكننا مواجهتهم بعنف الحقيقة!).
كما يقول جورج اوريل: «في هذه الأوقات التي تتسم بالقسوة، قول الحقيقة هو عمل ثوري». ترجمة:
بقلم: ليسلي فارين
موندياليزاسيون
ترجمة: سراب الأسمر
التاريخ: الخميس 4-7-2019
رقم العدد : 17016