دفعت التطورات المتسارعة في الملف الإيراني باحتمالات التصعيد والمواجهة إلى واجهة المشهد مجدداً بعد أن كانت قد خبت نيران التفجير خلال الأيام القليلة الماضية التي كانت حافلة بالمتغيرات التي تبدو كسلسلة غير منتهية من التداعيات أقلها خلال الفترة القادمة وهذا كله كنتاج طبيعي للانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
احتجاز ناقلة نفط إيرانية على مقربة من منطقة جبل طارق كانت تسير في المياه الدولية زاد من تعقيدات المشهد ووسع من رقعة الاشتباك وراكم من احتمالات التصعيد، ولاسيما مع بدء طهران تنفيذ تهديداتها بالعودة إلى تخصيب اليورانيوم بسبب عدم التزام الأوروبي ببنود الاتفاق النووي، في وقت بدأت فيه تتسرب معلومات عن أن عملية القرصنة التي قام بها جنود من مشاة البحرية البريطانية هي عملية معد لها مسبقاً وبالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية بهدف إيصال رسالة واضحة إلى طهران بأن قرار تطويقها من كل الجهات قد اتخذ فعلاً، وقد بوشر بتنفيذه على الأرض، ولعل نشر الصور والتسجيلات المتعلقة بعملية الاحتجاز وقبلها التعليقات السياسية الجاهزة لواشنطن ولندن تؤكد حقيقة التخطيط المسبق لهذا العمل الإرهابي الذي يأخذنا مباشرة إلى عمليات التخريب التي استهدفت ناقلات النفط في الخليج الشهر الماضي.
الدخول البريطاني على خط التصعيد في هذه المرحلة الحساسة يفتح باب التساؤلات حول الدور الأوروبي في محاصرة إيران بغض النظر عما يوصلنا إليه هذا الدور، إن إلى المواجهة العسكرية أم لا ، لكن هذا الأمر يضع دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة على المحك، ويدخلها مجدداً إلى دائرة اختبار النيات وهي التي لم تخرج من تلك الدائرة أصلا، ولاسيما بعد الاتصال الذي أجراه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بنظيره الإيراني حسن روحاني، وأعطى فيه وعوداً بعمل جدي من قِبَل فرنسا وأوروبا لحل عقدة العقوبات المفروضة أميركياً، طالباً مهلة بضعة أيام إضافية للوصول إلى صيغة ترضي الإيرانيين.
طهران كانت حاضرة في الرد على الخطوات الأميركية والغربية وذلك في سياق استراتيجية الرد على الضغوط المقابلة ضمن بنك خطوات بدأت بتنفيذها مع إعلانها تخليها عن بعض شروط الاتفاق النووي المتعلقة بكميات مخزون اليورانيوم المخصب وبنسبة التخصيب المسموح بها ضمن مهل محددة ومعلنة، وفي هذا تبقي إيران باب الدبلوماسية مشرعاً للأطراف المقابلة، لمعرفة ما إذا كانت جادة حقا في الوصول إلى حل أو أنها تسعى فعلياً كما تدعي الحفاظ على الاتفاق النووي، وهذا لم يمنع إيران من التهديد بخطوات أقوى خلال المرحلة القادمة إن لم تستجب الأطراف الأوروبية الموقعة على الاتفاق وتقوم بخطوات ملموسة للحفاظ على الاتفاق النووي من الانهيار وذلك خلال مهلة الـ60 يوماً، ومن أبرز تلك الخطوات عودة العمل بمنشأة «آراك» النووية، ورفع التخصيب بنسب مرتفعة.
وضمن هذا السياق قال المتحدث باسم «منظمة الطاقة الذرية الإيرانية»، بهروز كمالوندي، إن بلاده سترفع خلال وقت وجيز إيران نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 5 % مع إمكانية رفع مستوى التخصيب والمخزون»، مضيفاً أن «هناك حاجة إلى تخصيب بنسبة 5% للمحطات و20% للطب النووي و 60% لمحركات الدفع النووية، موضحا أن طهران ليست بحاجة الآن إلى وقود لمفاعل طهران، بل هي بحاجة إلى الوقود النووي في المحطات النووية ومفاعلات الأبحاث ومحركات الدفع النووي».
سياسة الطمأنة الإيرانية أكدها كمالوندي، بقوله إن مفاعل طهران لديه فعلياً الكمية التي يحتاج إليها ليعمل، وهذا يعني أن إيران لن تقوم عملياً بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20% المحظورة أو غير المسموح بها في الاتفاق، وأضاف كمالوندي إن إيران ستقوم بتخصيب اليورانيوم الذي يحتاج إليه مفاعل بوشهر لتوليد الطاقة، أي بنسبة 5%، وبالتالي هي لا تزال تنفذ الاتفاق النووي بإنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة ما دون الـ 5%، وهذا لا يتنافى مع حق إيران في الحصول على طاقة نووية سلمية.
إجراءات الرد الإيرانية وصفها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بأنها جزء من الخطوات التعويضية لبلاده ردا على العقوبات وتأثيراتها، وذلك في إطار البند الـ36 من الاتفاق، مضيفاً أن بلاده تحتفظ بحقها في مواصلة الإجراءات التعويضية القانونية وفقاً للاتفاق النووي ومن أجل الحفاظ على مصالحها في مواجهة الإرهاب الاقتصادي الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية، لكن ظريف أكد أيضاً أن كل هذه الخطوات يمكن العودة عنها إذا التزمت الدول الأوروبية بتعهداتها في إطار بنود الاتفاق، وأبعدت نفسها عن الإجراءات الأميركية بحقها.
فؤاد الوادي
التاريخ: الأربعاء 10-7-2019
رقم العدد : 17020