يرى البعض، البعض الكثير، أن التغييرات الكبرى في التاريخ الإنساني هي التغييرات التي كانت، ومازالت تتوسّل «العنف»..
درامياً.. وعلى الرغم من أن طبيعتنا تنبذ العنف الذي يُحيل لنوع من دائرة مغلقة لا تنجب سوى العنف، ننجذب لأعمال ذات هوية صاخبة عنفاً.. وطابع يطغى عليه أسلوب الأكشن الدموي..
وإن لا.. لماذا نتابع عمل مثل (لعبة العروش، Game of thrones).. الذي أصبح من أكثر الدرامات المتابَعة عالمياً..؟
فمَشاهد العنف والقتال تملأ السلسلة المذكورة وتشكّل الجزء الأساسي منها.. لكنها بالوقت عينه لا تمنع رغبتنا الدائمة لتعقّب ما يلي من أحداث.
خيطٌ من التشويق يشدّنا إليه بمختلف أحداثه المعروضة علينا..
هل تراها غريزة الدم هي التي تدفعنا لاشعورياً لمشاهدة سيل العنف والصراعات كيفما دارت بوصلة الحكاية في المسلسل الشهير عالمياً، المُعاد عرضه حالياً على إحدى أهم القنوات الفضائية..؟!
تصدمنا كمية العنف ليس في «لعبة العروش، Game of the throes» فقط.. إنما في مختلف أعمال سينمائية أخرى.. ولربما حملت في طياتها نفورنا منها… لكنها لن تجعلنا ننقلب عليها أو نبتعد طويلاً عنها..
وفق ذات الشهية التي تدفعنا لمتابعة شخصيات مثل (جون سنو، دينيريس، سانسا، سيرسي) في صراعهم على العرش.. نتابع أعمال وُصِمت بالعنف الزائد.. كما في أفلام كوانتين تارنتينو.. الذي حاز على جوائز عالمية منذ فيلمه الثاني «مستودع الكلاب»..
هل ننسى فيلم (جانجو الطليق، Django Unchained)..؟!
كميّات من الصدمة والاندهاش والغرابة تحملها سينما هذا المخرج.. الذي يقدّم أحدث أعماله في السادس والعشرين من هذا الشهر موعداً لانطلاق عرضه بعنوان (حدث ذات مرة في هوليوود، Once upon a time in Hollywood)..
هل سيكون هذا الفيلم منسوجاً كما بقية نتاجات تارنتينو، المصبوغة بعنفها بصمةً تميّزها..؟
ثمة تفسيرات وقراءات عدّة تنوّعت في تلقي هذا العنف والذي يبدو مشغولاً عليه كوسيلة لإبراز أشياء ابتغاها تارنتينو.
هل جاء على سبيل تحقيق نوع من التلاعب بنفسية المتلقي..؟
التلاعب، ربما عن طريق صدمه.. بغريزة الدم والانتقام الكائنة في لاوعيه.. والمتخفية بأسلوب مدنيته الواهية.. كما عبّر عن ذلك يوماً نيتشه بقوله: (الإنسان أعنف حيوان)..
هل رغبة الانتقام تطهر المرء من فظاعات دواخله..؟
أم لعلها ترسّخ أصول حقيقته الغافية في قشور تمدّنه..؟
لا يكتفي تارنتينو بالتعبير, بصرياً، عن جوانب الإنسان السيئة، الدموية، والبربرية، ذاك الإنسان الذي تنغمس روحه بنزعة دموية غير معلنة ولا هي واضحة لأنها مغطاة بقشرة حداثته ومدنيته التي يمتهن إدعاءها ويتفنن بإظهارها..
ويبدو أنه طرّز فلسفته الخاصة سينمائياً، بإبراز موضوعة «العنف» كأنما يطرح تساؤلاته باستخدامه سحر الفن السابع، ولسان حاله يقول: لِمَ كل هذا العنف.. ولِمَ كل هذه الدماء المهدورة بفظاعة ووحشية غير مبررة..؟!
إنها أسلوبية الضغط.. ضغط ذهن المتلقي عن طريق صدمه عنفاً.. أو دفعه بأبسط الهيئات للتفريغ عما لا يدرك غوره في أعماق دواخله.. ربما.
lamisali25@yahoo.com
لميس علي
التاريخ: الثلاثاء 23-7-2019
الرقم: 17031