تدّعي الولايات المتحدة أنها دولة ديمقراطية تقوم على مبادئ عظيمة… فهي تتغنى باحترام حقوق الإنسان وسيادة وحقوق الشعوب الأخرى وما إلى ذلك من القيم العظيمة التي يزخر بها الدستور الذي قامت عليه هذه الدولة… لكن تاريخها رغم قصره وعدم تعمق جذوره فهو مليء بالاعتداءات والتجاوزات والانتهاكات… فهي لا تتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للشعوب وشن الحروب والقيام بما يثير القلاقل والاضطرابات في العالم.
عندما وصل دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة، سارع إلى شجب معاهدة فيينا التي تنظم الحصص التي تفرضها هذه المعاهدة على تخصيب اليورانيوم، واضعاً بلاده في مأزق بانسحابه من الاتفاق النووي!!.
كيف نفهم علم الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت المسبق بالهجوم المؤامرة على قاعدة بيرل هاربرالبحرية عام 1941 من قبل اليابانيين!!..
ولماذا روّجت واشنطن لروايتها الرسمية المزيفة لما جرى في 11 أيلول وهي تعلم ذلك!!؟.ألم يخرج يومها جورج بوش الابن ليصنّف العراق وإيران وكوريا الشمالية على أنّها دول محور الشّر!!. من يعرف تماماً ما جرى في خليج تونكين من الاستفزازات لتبرير الحرب على فيتنام آنذاك، ألم يدّعي الأميركيون آنذاك بوقوع هجوم على المدمرة الأميركية U.S.S.MADOX في آب 1964….
مئات الانقلابات والاغتيالات في العالم تمت بعلم وتخطيط واشنطن….وفي كل المرات كان الأميركيون أول من يدين ويستنكر ويتعاطف.. وأول من يدافع عن الحريات وعن حقوق الإنسان !!
في الأيام الماضية وفي فضيحة أمنية من العيار الثقيل، تم الكشف في إيران عن إحباط شبكة تجسس أميركية الكترونية معقدة وضخمة تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية CIA بعد تبادل المعلومات مع عدد من الدول في عملية واسعة غير مسبوقة. في الحقيقة، هذا لا يتنافى أبداً مع تصريحات سابقة لجون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي حول عمليات الكترونية أميركية ضد العديد من الدول في ما يسمى بالحرب الرقمية الباردة بين واشنطن وموسكو وغيرها في دليل واضح على ممارسة إرهاب الدولة.
من المؤكد أن السياسة الأميركية عامة تستند إلى ذرائع وهمية وتصرفات مريبة، كما وأن الوجود الأميركي الغير مشروع في الخليج يزعزع أمن الممرات المائية الدولية الهامة مستثمراً كذبة (ايرانوفوبيا) التي تسعى واشنطن لتكريسها بين ممالك الخليج وذلك بهدف ترسيخ وجودها أكثر ولمدى أطول في المنطقة.. وما طلب السعودية من واشنطن إرسال قوات أميركية إليها إلا ثمرة من ثمار تلك السياسة فكيف إذا ترافق ذلك بعقد صفقات بيع أسلحة بمليارات الدولارات عندها تكون الفوائد أكثر وربما أكثر مما يحلم الأميركيون أنفسهم ..
إذاً خطوات التصعيد مستمرة وبخاصة بعد احتجاز إيران لناقلة نفط بريطانية رداً على احتجاز بريطانيا لناقلة نفط إيرانية في مضيق جبل طارق في فترة سابقة وإن كانت فكرة اندلاع مواجهة بين واشنطن وطهران تبدو غير مرجحة حالياً ..
ميل كفة هذه الفكرة يعود إلى أن كلاً من الجانبين يدرك مدى خطورة الانزلاق في مواجهة عسكرية بينهما إذ من السهل البدء بها ولكن يصعب إنهاؤها ..لذلك يبدو أن الدولتين تسعيان إلى تحسين شروطهما التفاوضية في القادم من الأيام من خلال الذهاب إلى أقصى الحدود في اختبار نية الطرف الأخر، لذلك لا يجب التمادي في التحدي المتبادل الذي توالت حلقاته مؤخراً من إرسال التهديدات واستعراض القوة من جانب واشنطن إلى مصادرة الناقلة البريطانية إلى إرسال قوات أميركية ومن ثم كشف شبكة التجسس الأميركية التي تزعم طهران أنها أمسكت بخيوطها رغم نفي واشنطن.
بالأمس تحدث مايك بومبيو حول احتجاز الناقلة وكان حديثه يجمع مابين لهجة التهديد والتلويح بالقوة ومابين لهجة التحذير والدبلوماسية، وعلى موقع آخرأتبع ذلك بتصريحات تعكس عدم الرغبة بخيار الحرب وبالمقابل وفي نفس الوقت كان ترامب يتحدث عن إمكانية عقد اتفاق أو تقارب بين البلدين يكسر الجليد الموجود، ذلك لأن الظروف غير مواتية لترامب فهو أمام عام انتخابي وبالتأكيد هو يريد كسب أصوات الناخبين الأميركيين، إذاً السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن خيار المفاوضات هو الأكثر رغبة لدى الأميركيين وفق مالاح في أفق واشنطن لأن الخيار البديل غير مرغوب فيه حالياً.
RESEAU INTERNATIONL
بقلم: جان لوك
ترجمة: محمود لحام
التاريخ: الخميس 25-7-2019
رقم العدد : 17033