لم تخرج مفاوضات (المنطقة الآمنة) بين الولايات المتحدة والنظام التركي بأقل التوقعات تفاؤلاً لتحسين العلاقة المتوترة بين الطرفين أو على الأقل لإيجاد نقطة مشتركة تعيد توجيه البوصلة لتوافقات تحرك المياه الراكدة، بل على العكس من ذلك فقد أظهرت سلسلة الاجتماعات التي عقدها المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري، في تركيا خلال الأيام القليلة الماضية حجم الخلاف الكبير بين واشنطن وأنقرة، ولا سيما في ظل استمرار الأجواء المتوترة بينهما على خلفية منظومة صواريخ الإس 400 الروسية التي اشترتها الأخيرة من موسكو.
إذاً الزيارة التي كان تراهن عليها الولايات المتحدة لجر النظام التركي خطوة نحو القارب الأميركي لم تثمر شيئاً بل أثبتت وأكدت عدة حقائق على الأرض تتقاطع في مجملها عند القول إنه لا يمكن تحقيق اتفاق بين واشنطن وأنقرة دون تنازل أي منهما عن طموحاته وأوهامه وأهدافه التي يسعى إلى تحقيقها على الجغرافيا السورية، وهذا الأمر وضمن المعطيات الموجودة على الأرض وبحسب أدوار وغايات الطرفين يستحيل تحقيقه بأي شكل من الأشكال لأنه يؤدي ببساطة إلى هزيمة الطرفين اللذين هما أصلاً مهزومين في الميدان السوري وكل ما يفعلانه هو جزء من محاولات تغيير الواقع المرتسم بقواعده ومعادلاته التي قضت مضاجع واشنطن وأنقرة.
تبقى الأبواب مشرعة على كافة الاحتمالات والخيارات بين ترامب وأردوغان في ظل الواقع الميداني والسياسي المهترئ لكليهما، وهذا من شأنه أن يدفع الإدارة الأميركية للعودة إلى إحياء كل ما من شأنه الضغط على النظام التركي الذي سيقوم هو الآخر باتباع نفس الأسلوب للتأثير على واشنطن ودفعها إلى القبول بما يريد، ولا سيما فيما يتعلق بالورقة الكردية.
تلك الكباشات والحروب الناعمة بين الولايات المتحدة والنظام التركي توصلنا إلى نتيجة واحدة وهي الوصول إلى حائط مسدودة برغم الطموح الموحد في الأهداف والمشاريع الاحتلالية والاستعمارية ولعل التصريحات الصادرة عن واشنطن وأنقرة خلال الساعات الماضية تعقيباً على زيارة المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية تظهر حجم التباين والخلاف بينهما وهذا ما قد ينعكس سلباً على الأرض، حيث السعي المشترك المتوقع للتصعيد خلال الفترة القادمة من أجل أن يفرض كل من الطرفين شروطه التي تحاكي طموحاته وأطماعه.
حالة عدم الرضا عبَّر عنها النظام التركي على وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو الذي أعلن بوضوح أن ما حمله جيفري لأنقرة (لم يكن مرضياً). وانتقد التباطؤ الأميركي المقصود في تطبيق (اتفاق منبج)، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن التأخير في التوافق على (المنطقة الآمنة) المزعومة التي يتوهم الطرفان قدرتهما على إنشائها قد يدفع بلاده إلى إطلاق تحرك عسكري، وأوضح أوغلو، أن (الأمر مختلف (عن جولات التفاوض السابقة)، وأن هناك أفكاراً جديدة حول هوية من سيجري إشراكهم في (حماية) (المنطقة الآمنة) المزعومة، والدوريات المشتركة)، مضيفاً في الوقت نفسه أن أشد المواضيع حساسية بالنسبة إلى أنقرة، عمق تلك المنطقة الآمنة، وإبعاد ميليشيات قسد المرتبطة بأميركا، وبيّن أن (مقترح الولايات المتحدة الجديد لإقامة منطقة آمنة في شمال شرق سورية يشبه إلى حدّ كبير النموذج المتبع في منبج)، مشيراً إلى أن (خريطة منبج لم تتحقق بالكامل، على الرغم من مرور أكثر من عام على الاتفاق بشأنها).
وشدد على الحاجة إلى التفاهم في أقرب وقت ممكن، لأن تركيا (نفد صبرها). وبالتوازي، قال المتحدث باسم النظام التركي إبراهيم قالن للمبعوث الأميركي، إن إنشاء (المنطقة الآمنة) المزعومة لن يحصل إلا من خلال خطة تلبي تطلعات أنقرة، جاء هذا بالتزامن مع ما كشفته عدد من مصادر ووسائل الإعلام التركية من أن (العرض المقدم من جيفري، أقلّ (إرضاءً لأنقرة) من المقترح الأولي الذي قدمه الرئيس دونالد ترامب، والذي كان يفترض إنشاء (منطقة آمنة) مزعومة بعمق يصل إلى 30 كيلومتراً)، وأضافت تلك المصادر أن الجانب الأميركي قدّم تصوراً لجدول أعمال يمتد لفترة طويلة، وأن طول المدة ولّد خوفاً من تكرار ما جرى خلال تنفيذ (خريطة الطريق) الخاصة بمنبج، وعن الفريق العسكري المشترك الذي قيل إنه يعمل على دراسة تفاصيل هذا الملف، أشارت المصادر إلى أن (ما يجري بحثه على هذا المستوى، هو مقترحات الدوريات المنسّقة أو المشتركة، ونقاط المراقبة المحتملة) بين طرفي الإرهاب واشنطن وأنقرة.
فؤاد الوادي
التاريخ: الجمعة 26-7-2019
الرقم: 17034