العيد التاسع والخمسون للتلفزيون السوري..وهــــج لاينطفـــئ.. ونحــــن نصـــارع ركامــــاً لايترمـــد..!
على غير عادة دار الاسد للثقافة والفنون, كان زوارها يوم (23) تموز الماضي, يسترجعون في أذهانهم ذكريات تتلاشى معها صور الآن, ليست مجرد عودة نوستالجية, ولكنها هروب خفي, من ألم لايزال عالقاً في حلوقنا من حاضر أذهلتنا قدرته على إيلامنا..
وأنت تخطو بهدوء نحو الصالة الرئيسية في دار الاسد لحضور الاحتفالية التي أقامتها الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون تحت رعاية وزير الاعلام السيد عماد سارة, كنا نتأمل شخصيات تلفزيونية دعيت للتكريم تلمسنا حسهم الوطني حين أصيبوا واستمروا بحراكهم المهني والحياتي, يعزلون أنفسهم بصمت الواثق عن انقضاض الوجع..
ها نحن نراهم على المنصة يحملون أوسمة التكريم, كأننا نردد مع السيد عماد سارة (نحن لانكرم الإعلاميين والمراسلين الحربيين والذين أصيبوا في التلفزيون العربي السوري, بل على العكس هم من يكرموننا الآن, فإنهم من وقفوا إلى جانب الوطن وكانوا في خندق واحد مع رجال الجيش العربي السوري, وكل قطرة دم منهم تساوي كل التكريمات في كل أنحاء العالم..).
لايمكن لمشاعرك الذاتية ان تنتفض عنك, لايمكن لروحك ان تبقى ساكنة, لست مجرد صحفي, يحضر احتفالية عيد تلفزيونه الوطني بحياد المحتفي..!
انت عشت وسط عصر ذهبي, صحيح أن بعض ملامحه قدمت على خشبة المسرح بالأبيض والأسود, ولكنها بالنسبة لنبض روحك ذكراها ملونة, تنعش بقايا افتتان تبحث فيه عن ملاذ يقيك انجرارا لاطائل منه لرماد الحاضر واسوداده الغادر..
المنطق الطبيعي للحياة هو التطور, والحراك العملي الذي يحاول اعلامنا التطلع اليه والاقتراب من بشر نزفوا من حرب طويلة تكاتف الكل فيها ضدهم لكسرهم, فحقهم علينا ان نحتفي بهم كما يليق بشعب توجع ورفض الهزيمة والانكسار..
ملامح التطور وعدم الركون الى حالة نتشبث بها معتبرينها انجازنا الأبهى.. أبرز ما ميز احتفالية فنية, احتوت (17)نوعا فنياً, مع اننا بالكاد نخرج من حربنا الكارثية..!
فنون وثائقية, راقصة, فنون درامية, فن خيال الظل, أزياء مسرحية, تلوينات الاضاءة, وجمالياتها.. ايقاعات موسيقية.. تتماهى جميعها مع شاشة وضعت في عمق المسرح تعرض لنا تاريخاً مدوياً لحراك بلد, كانت ايقاعات نهضته تتسارع, اللافت أن تلك النهضة قدمت عبر مختارات من برامج تلفزيونية حاولت الاقتراب من كل ماعشناه يوما من حراك سياسي, اقتصادي, اجتماعي.. واقتصادي.. وتعليمي..
برامج تلفزيونية انفلتت تلتقط نبرة الحياة وصوتها المسموع والخافت, مقتطفات مكثفة أوجعتنا حنيناً وهي تزجنا في لحظات الذكرى, أي وجع حملتنا اياه وهي تتركنا في خضم الوجع.. ؟!
أياً كانت لمسة الحزن التي تطاردنا فإن تلك الرقصات المتقنة المتنوعة والمتلونة حسب مشاهدها الاستعادية, جعلت دواخلنا تنتشي بلحظات لتفتح ألف باب من الأمل.. قائلين في سرنا:لاحاضر بلا ماض يؤسس عليه..
موسيقا صح النوم, حيكت منها رقصة شعرنا عبرها أن جزءاً من مسلسل (صح النوم) قفز الى المسرح حين وضعت ستارة خشبية وقف خلفها مابدا أنها مقاربات فنية لشخصيتي (غوار الطوشة, وابو عنتر).. وغير بعيد عنهما فطوم وربما حسني البورظان.. كأننا لازلنا نسمع دوي جملته الشهيرة (اذا أردت ان تعرف ماذا يجري في البرازيل.. )..
رشاقة حركات أطفال الباليه وشقلباتهم بدت شبيهة بتلك الحركات الكرتونية التي انبثقت عن الشاشة ناقلة إيانا الى بعض البرامج الكرتونية التي قدمها التلفزيون السوري..
ربما من أجمل المشاهد الراقصة التي قدمت على أنغام أغنية فيروز الشهيرة (خطة قدمكم على الارض هدارة) سرعان مأاتى صوت الفنانة رنا شميس (دارت المعامل.. وازدهرت المزارع.. شاركت المرأة أخاها الرجل في كل مجالات الحياة, وافتتحت جامعات ومشافي ومطارات.. ) لقطات مكثفة سافرنا بخفة عبرها الى نهضة ارتكزت عليها حياتنا السورية المخضلة بلهب لم يتركنا يوماً..!
حين أتانا صوت عدنان بوظو.. بحماسه (كول لسورية..) كدنا نقفز عن مقاعدنا.. وتمايلنا مع موسيقا برنامج منى كردي (نجوم وأضواء) سرعان ماانتقلنا الى الموسيقا المميزة لبرنامجي (من الالف الى الياء) لموفق الخاني, وبرنامج (طرائف من العالم)لمحمد توفيق البجيرمي, تحفر في ذاكرتنا من النغمة الاولى..
تتابعت المشاهد.. واللقطات (مجلة التلفزيون, مايطلبه الجمهور.. أبرز الاعمال التاريخية, والدرامية التي احتضنتها شاشتنا..).
لم نتمكن من ضبط مشاعرنا ونحن نسمع صوت مقدمة الحفل تنتقل بنا إلى معرض دمشق الدولي, هنا كان للرقصة والاغنية وقع مختلف, ارتفعت معنوياتنا وفعلا طارت كما الحمامة بين دمر والهامة.. لنأخذ علامة.. ولكن بالتأكيد لانريد ساعة ألماس.. بل وقت ماسي يعيد وطننا الى مجده وهو يتصارع مع ركام لايترمد..!
أتانا هذا الركام الموجع, في الاحتفالية عبر مشهدية ذكرتنا كيف استبيح كل شيء.. دمجت المشهدية بين الحدث الاخباري, بواقعيته, وبين رمزية.. اختطفت معها أرواحنا ونحن نغني معها (سلاماً ياقامة السنديان..), لم نشعر بأي انجراف لحنين مضى.. لاتزال لسعات الحاضر ولهيب نيرانه, حية, لن ننساها قبل ان نلفظ آخر نفس..!
نوقف تدفق الافكار ونتابع الراوي على صوت الموسيقا وخفق الرايات وهو يقول (لن تركع.. لن تركع الشمس فيك ياسورية, صمودا كالصخر.. وإلى النصر ياوطن الشرفاء.. ياوطن الشهداء..).
ونحن نقترب من ختام الاحتفالية.. على وقع أغنية(نزلنا الى الميدان) نتأمل سريعا الوجوه, ننظر حولنا على الاثر الذي تركه (القسم الاعلامي) الذي أداه زملاء لنا, على الوجوه.. لابد أن شيئاً ما قد تغير.. نحتاج للحظات تعيد خفق الروح.. علها تجعل العقول ترفرف بشكل مغاير.. لنستعيد وطننا بهياً كما كان.
الاثر الذي تركته الاحتفالية كان من الواضح انه سعى للاهتمام بمختلف تفاصيل الشكل والمضمون الأمر الذي جعلنا نعيش مع سينوغرافية مسرحية, طوعت مختلف الفنون لترافق انتقالاتنا وتضج بألوان تناسقت مع كل حالة لنعيش تناغماً مسرحياً من المنصة التي ورطتنا في لعبة ممتعة, خرجنا منها والأنغام لاتزال في أذهاننا.. والافكار تتسابق محرضة..!
وانت تغادر الاحتفالية.. شيء ما ينعش روحك وتوقن أن من عارك بهمة لاتلين أنين السنين, سينزلق قريبا نحو بريق سنحرص على ألا يغيب..!
soadzz@yahoo.com
سعاد زاهر
التاريخ: الأحد 28-7-2019
الرقم: 17035