إنها قصة جيش عقائدي سطر أروع ملاحم البطولة التي لن يكررها التاريخ فغدا مدرسة في حب الأوطان والإخلاص لترابها، ومنذ تأسيسه قبل عام 1973 وحتى اليوم أثبت الجيش العربي السوري التزامه المطلق بقضايا الأمة العربية العادلة، وإصراره على الدفاع عن كرامته وعزته وتصديه لجميع المؤامرات الاستعمارية التي استهدفت وطنه وشعبه والأمة العربية.
فعلى مدى أكثر من سبعة عقود آمن الجيش العربي السوري بالقومية العربية نهجاً وشارك في جميع المعارك وسطر رجاله ملاحم في البطولة والتضحية والفداء ابتداء من معركة ميسلون بقيادة يوسف العظمة ضد الغزو الفرنسي لسورية مروراً بمعركة الإنقاذ عام 1948 كما شارك الجيش السوري في صد العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 واستفاد من تجربة النكسة 1967، وأسس لحرب استنزاف طويلة كللها بحرب تشرين التحريرية عام 1973 التي بها حمل راية سورية وراية الأمة العربية مع جيش مصر العربية واستطاع الجيش السوري تحطيم أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر والتي حاول العدو التسويق لها منذ أن احتل الجولان السوري والأراضي العربية المحتلة في فلسطين.. وبعد ذلك استشعر أفخاخ الكيان الصهيوني بنشر الحرب الأهلية في لبنان عام 1976، فدخل إلى جاره اللبناني موحداً الصفوف بين أبناء الشعب الواحد وطارداً الغزاة وداعماً المقاومة وخاض أشرس المعارك لحظة اجتاح الصهاينة لبنان عام 1982..
ولعل حرب تشرين التحريرية هي الخطوة الأكبر للجيش العربي السوري على طريق النصر الأبدي ولها صفحات لا تنسى في التاريخ وفي ذاكرة كل سوري ففي 6 تشرين الأول عام 1973 سجل الجيشان المصري والسوري ملحمة عسكرية تاريخية، إذ تمكنا من عبور قناة السويس في الجنوب وتدمير خط بارليف، وعبور مرتفعات الجولان وتدمير مواقع الجيش (الإسرائيلي) على امتداد الهضبة وصولاً إلى جبل الشيخ.
قد أحدثت حرب تشرين التحريرية آثاراً ونتائج كبيرة للغاية هزت العالم أجمع، من مغربه إلى مشرقه. وأصبحت نظرة المجتمع الدولي إلى العرب بعد الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة، تشرين الأول 1973، تختلف عن نظرته السابقة إليهم، ولا سيما تلك التي خلفتها حرب حزيران 1967. وقد عبر عن هذا الواقع الجديد السيد ميشيل جوبير وزير الخارجية الفرنسية، بقوله: (انتهى عصر ألف ليلة وليلة، وعلينا أن نتعامل مع العرب بعد اليوم على أساس جديد).
ولعل أفضل وصف لحرب تشرين قاله الراحل السيد الرئيس حافظ الأسد في مقابلة صحفية: (إن الأمثلة على شجاعة جنودنا وتضحياتهم لا عدَّ لها ولا حصر. لقد كان الهدف دائماً ومنذ بداية المعركة هو تدمير أسطورة الجيش الذي لا يقهر والقوة التي اعتقدوا أنها فوق مستوى الإنسان العربي مناعة وتجهيزاً وكفاءة قتالية. وقد جاءت حرب تشرين التحريرية لتعيد إسرائيل إلى حجمها الطبيعي على الجبهتين المصرية والسورية).
كما أن حرب تشرين أثبتت أن الجندي السوري يحسن استخدام الأسلحة المتطورة ودمر ما يسمى عقدة (التكنولوجيا) التي حاولت (إسرائيل) بكل أجهزة الإعلام التي تملكها وتوجهها الصهيونية العالمية، غرسها في النفوس. وانساق مع الأسف وراء هذا التيار نفر من أشباه المثقفين العرب يحاولون فلسفة هزيمة حزيران 1967 كقضية (تكنولوجيا) بيننا وبين العدو الإسرائيلي.
لقد مزق الجيش السوري هذا الوهم والمفاجأة على الصعيد الاستراتيجي كانت باتخاذ قرار (خوض الحرب) ضد الغزاة الصهاينة الذين يدنسون ترابنا الوطني باحتلالهم البغيض، هي التي زعزعت المؤسسة العسكرية الصهيونية.
ففي حرب تشرين التحريرية أظهرت القوى الجوية والدفاع الجوي بطولة خارقة ومهارة عالية في حرب تشرين التحريرية، في قيادة الطائرات واستخدامها استخداماً فعالاً في أثناء الاشتباكات الجوية، وبرهن رجال الدفاع الجوي على قدرتهم العالية في استخدام أكثر المعدات القتالية تعقيداً.
كما كان للبحرية السورية دور مشرف في حرب تشرين بين العرب وإسرائيل، ولا يمكن أن يتصور أي إنسان بطولة هؤلاء الرجال إلا عندما يقوم بمقارنة بسيطة بين قواتنا البحرية وقوات العدو البحرية. عند ذلك فقط يقدر المعجزات التي اجترحها رجالنا البحارة والبطولات الفذّة التي فجروها، محبطين كل محاولات العدو للإنزال البحري، ومغرقين أكبر قطعه البحرية، وهم يقاتلون كفريق واحد، سواء بالنسبة لزوارق الصواريخ أم لزوارق الطوربيد أم للمدفعية الساحلية. حتى أن الدبابات المكلفة بحراسة الساحل، ساهمت هي أيضاً بالرمي على الأهداف البحرية المعادية.
فحرب تشرين التحريرية هي القاعدة الراسخة للانطلاق إلى ما هو أفضل وفعلاً استطاع الجيش العربي السوري بعدها خوض كل الحروب وإحراز التقدم وتشكيل جبهة مقاومة مع الحلفاء كانت ذروة انتصاراتها في عام 2000 وانتصار 2006 حيث شكلت القوات المسلحة السورية القاعدة الصلبة لدعم المقاومة الوطنية اللبنانية، وشكل الجيش العربي السوري العمود الفقري لمحور المقاومة في المنطقة، وبات واضحاً لقوى المؤامرة الإرهابية أنه من دون كسر ضلع منظومة المقاومة الأقوى ألا وهو الجيش العربي السوري لن يكتب لها النجاح في أي مكان في المنطقة.
واليوم هي المعركة مع الإرهاب، فهذه المعركة التي يخوضها الجيش العربي السوري ضد المجموعات الإرهابية المسلحة المدعومة من الولايات المتحدة و(إسرائيل) وبعض الدول الإقليمية والعربية لا تختلف في جوهرها ومضمونها عن معاركه السابقة ضد قوى الاستعمار كافة وإن اختلفت الأشكال وتعددت الأساليب، كما أن مواجهته لهذه الحرب الإرهابية الظالمة هو في صلب عقيدته القتالية التي أثبتت صمودها في وجه حملات التحريض والتضليل الإعلامي التي استهدفت تماسكه ووحدته منذ بدء الأزمة في سورية.
إن ثبات الجيش العربي السوري على مبادئه الوطنية والقومية وعدم حياده -رغم كل الأحداث- عن أن العدو الأول والرئيس للأمة العربية هو الكيان الصهيوني، وأنه لا يمكن أن يتخلى عن عقيدته الوطنية والقومية في التحرير والتمسك بالقضية الفلسطينية، ولا يمكن للإرهاب مهما اشتد أن يحرف بوصلته عن فلسطين.
حطم الجيش العربي السوري ببسالة فائقة أعتى موجات الحرب الإرهابية الكونية المستمرة، وعلى صخرة هذا الجيش العظيم انكسرت المشاريع الكبرى المخطط لها فيما يسمى (الربيع العربي)، وفي المقدمة مشروع الشرق الأوسط الجديد وهذا ما استثار حنق مشغلي الإرهاب العالمي، فضاعفوا من دعمهم وزجهم لموجات جديدة من العصابات الإرهابية مدعومة بإمكانات جيوش الجوار مثل الأردن وتركيا لشل قدرات الجيش العربي السوري.
انتصر الجيش العربي السوري للحق أمام وجوه الظلام المتعددة، واجه بقوة كل ظروف التبعية والعدوان، فكان أن تكالبت عليه هذه القوى والظلامية منذ عام 2011 وحتى اللحظة، استوعب الأحداث كلها وامتصها بحكمة القائد الحكيم الذي يحقق الانتصار تلو الانتصار.. إنه جيشنا العربي السوري الذي يحق لنا أن نفخر به، إنه فخرنا وقيمة اعتزازنا، فلولا هذا الجيش لما كنا ولما كانت سورية.
هذا الجيش هو اليوم يفرض احترامه بفضل قائد قلَّ نظيره، يقف اليوم السوريون كما يقف أعداؤه قبل أصدقائه احتراماً له،
تؤكد الوقائع أن الجيش العربي السوري بأدائه المتماسك وإصراره على إعادة الأمن والاستقرار إلى كل شبر من أرض الوطن ومنع الإرهابيين من تحقيق مآربهم، فإنه بذلك يواصل سيره على نهج الأجداد والقادة الأوائل ويعيد أمجاد الانتصارات التي حققها رجالاته وأن دماء شهدائه الطاهرة التي روت أرض الوطن لن تذهب سدى، بل ستكتب قصة نصر جديدة، حكاية شعب يأبى الضيم ويرفض الهزيمة والخذلان.
إن روح تشرين التحرير ما زالت حاضرة، فعندما نتذكر تلك الحرب نتذكر معها مجموعة من المفاصل والمحطات التي مرت بتاريخ المنطقة ومكوناتها في الصراع مع العدو (الإسرائيلي) ونستطيع أن نقول إن إنشاء المقاومة في العراق ولبنان وفلسطين كل هذا ليس بعيداً عن روح حرب تشرين التحريرية.
كل التحية.. في يوم عيدك.. الذي هو عيدنا عيد جيشنا الباسل.. جيش الوطن والعروبة.. مبارك ما تحققه من انتصارات، مبارك لنا بك وبقائدك قائد الجيش والوطن الرئيس بشار الأسد.
حسن حسن
التاريخ: الخميس 1-8-2019
رقم العدد : 17039