في كتابها «الذات تصف نفسها»، تقول جوديث بتلر: (لا تستطيع «الأنا» أن تقدّم وصفاً نهائياً وكافياً لذاتها لأنها لا تستطيع أن تعود إلى مشهد المخاطبة الذي أطلقها)..
و(لا يستطيع المرء أمام الآخر تقديم وصف للـ(أنا) التي ظلت طوال الوقت تحاول أن تقدّم وصفاً لذاتها)..
تعود الفيلسوفة بتلر لتربط كل ذلك بالقواعد: (..فالقواعد لا تعمل على توجيه سلوكي وحسب ولكنها تقرر النشوء الممكن للقاء بيني وبين الآخر)..
وبالتالي.. «كيف يتوجّب معاملة الآخر؟».. الذي يبدو وجوده شرطاً في تحديد طبيعة هذه الـ(أنا)..؟
القواعد، تلك التي تحدثت عنها بتلر، هي ذاتها التي تمنح اعترافاً بالآخر، «أو في الواقع (اعترافاً) بنفسي، ليست ملكي وحدي. إنها تفعل فعلها بقدر ما هي اجتماعية متجاوزة أي تبادل ثنائي تقوم هي بتكييفه».
تلك الحاجة إلى الاعتراف المتبادلة.. اعترافي بالآخر، واعترافه هو بوجودي.. لاتتحرر من المعيارية الاجتماعية كما لاتبتعد عن معنى «الهوية» التي تراها بتلر ليست شيئاً ثابتاً ومحنّطاً.. بل «تتشكّل حسب الظروف التي ينمو فيها الفرد»..
محددات صياغة الـ(أنا).. من «هوية»، «الآخر»، و»قواعد المعيارية الاجتماعية».. ترتبط جميعها بسؤال الفلسفة الخُلُقية..
وهنا تستحضر بتلر ملاحظة تيودور أدورنو: «يمكن القول إن موعد إثارة الأسئلة الخُلُقية ظل دائماً يحين في المراحل التي تكفّ المعايير الخُلُقية في السلوك عن أن تكون بيّنة بذاتها»..
ويبدو أنه (الآن وهنا) هي مرحلة كفّت فيها المعايير الخُلُقية عن أن تكون بيّنة وواضحة..
يعلوها غبار الحرب.. وتتدثّر فوضاها.
فما هي الظرفية الزمكانية التي يمكن أن تثار خلالها الأسئلة الخُلُقية..؟
وكيف يمكن تحصيل «اعتراف متبادل» بين الأنا والآخر.. في ظل انطمار المعايير الخُلُقية تحت سابع طبقات الحرب وجنونها..؟
ليس انطماراً وحسب.. بل تقزيمٌ ومسخٌ لكل ما هو قيمي خُلُقي..
فكيف للذات أن تصف نفسها في ظل الانحدار الحاصل..؟!
والأهم.. كيف يمكن أن تحمي نفسها مما يغلّف محيطها من انحطاطٍ مفرطٍ بشذوذه..؟
لميس علي
lamisali25@yahoo.com
التاريخ: الخميس 1-8-2019
رقم العدد : 17039