تزامن انطلاق معرض دمشق الدولي مع مرحلة مهمة في الحياة التشكيلية السورية، سعى التشكيليون خلالها لإيصال تجاربهم إلى أكبر عدد ممكن من المشاهدين، وحلموا بلوحات جدارية وأعمال نحتية تُثبّت بشكل دائم في الأماكن العامة، بهدف أن تتعود عين المشاهد على الفن، وتختزنه ذاكرته البصرية.
مع الدورة الأولى لمعرض دمشق الدولي عام 1954 بدأ هذا الحلم بالتحقق مع تكليف الفنانين التشكيليين بتصميم زوايا وأركان وأجنحة ومساعدات عرض. ومن الأسماء المبكرة التي ظهرت على ساحة الإبداع في مجال الديكور مع بدايات المعرض التشكيليون: فريد زنبركجي وخالد معاذ، ووهبي الحريري، ومصمم الديكور العريق سعيد النابلسي. يعاونهم بعض الفنانين الهواة. فيما كان النحات الحلبي الرائد فتحي محمد أول تشكيلي كُلف بعملٍ نحتي في مدينة المعرض دمشق فصمم، ونفذ، أربع لوحات جدارية من النحت البارز في الجناح السوري تمثل الفعاليات الاقتصادية في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة. وباتت هذه اللوحة من أساسيات الجناح السوري. وعمل زهير صبان مع جورج خوري في تصاميم لوحات زيتية لخلفية البضائع المعروضة. وقام رشاد قصيباتي العائد من إيطاليا برسم لوحات في أجنحة الزراعة والتموين، وظهر اسم الفنان المعلّم النحات سعيد مخلوف، الذي عّلم نفسه بنفسه، فأبدع في تطويع جذوع الأشجار وحولّها إلى أشكال فنية تعتمد على تحريك الشكل في الفراغ بإيقاعات انسيابية غير عادية. ومنحته إدارة المعرض مشغلاً دائماً في مدينة المعرض أصبحت له ذكرياته الثرية في الحياة الثقافية والإبداعية، وبدأت مواهبه تتطور من النحت إلى تطويع الحديد وإيجاد أشكال إنسانية ونباتية مستوحاة من رقص الباليه زينت واجهة مسرح مدينة المعرض، كما زينت واجهة بوابة الضيافة، كما قام بتنفيذ مجسمات لأسماك تخرج من أفواهها المياه في بحيرات المعرض، وقنفذ يخرج الماء من أشواكه تزينها الأضواء الملونة.
قد تكون أول لوحة جدارية طويلة (15 متراً) تلك التي رسمها الفنان المعلّم محمود حماد في صدر الجناح السوري عن فلسطين ونضال الشعب العربي الفلسطيني، لخص فيها قصة نضال هذا الشعب منذ نكبة 1948 وأغلق اللوحة بحلم الانتصار والتحرير والعودة. وظهر اسم محمود دعدوش العائد من روما، مصمماً لبعض الديكورات يعاونه بعض الفنانين الهواة، وفي نفس الفترة برز اسم مصمم الديكور هشام المعلم العائد من بريطانيا والذي عمل بنشاط واسع في تصميم وتنفيذ، والإشراف، على أكثر من جناح في المعرض، وعمل شريف الأورفلي ومعد الأورفلي معاً في عدد غير قليل من الأجنحة في التصميم والتنفيذ والإشراف، وكان معد أورفلي مرافقاً لأستاذه النحات المصري صلاح عبد الكريم الذي قدم أعمالاً مهمة في بدايات المعرض، والذي قام بتصميم النصب التذكاري أمام البوابة الغربية للمعرض مطلاً على ساحة الأمويين كأحد أكبر أعمال الزجاج المعشّق في العالم.
وبعد جدارية محمود حماد عن فلسطين التي نفذت بألوان بلاستيكية، نُفذت جدارية نحاسية (نحت بارز) لمجيد جمول على الواجهة الرئيسية للجناح السوري، ولوحة لعبد المنان شما وممدوح قشلان على جدار جناح البريد والهاتف في مدينة المعرض، ولوحة لغازي الخالدي بطول ستة عشر متراً وعرض أربعة أمتار، بالإضافة إلى لوحات جدارية كثيرة كانت تُرسم كل عام على الجناح السوري لعدد كبير من الفنانين الشباب، يتناوب على رسمها كل عام فنان أو أكثر، وتصور رموزاً عن المجتمع السوري وتطوره. وثمة لوحة بالغة الأهمية لفاتح المدرس رسمها للجناح السوري في المعرض، وتشغل اليوم الجدار الأساسي في قاعة رجال الأعمال في مدخل مدينة المعارض، وقد رسمها المدرس بطلب من الفنان وضاح الدقر المشرف على ديكور الجناح السوري، وقام بتنفيذها الفنان جمال العباس عام 1979.
من بين التقاليد التي حافظ عليها معرض دمشق الدولي طوال سنواته الماضية اعتماد هوية بصرية خاصة لكل دورة، تطبع على ملصقات الشوارع (بوستر) وعلى الطوابع التذكارية وعلى غلاف الدليل السنوي، إضافة إلى بطاقات الدخول على اختلاف أنواعها. وقد تضمنت الملصقات على الدوام شعار الدورة الحالية بشكل أساسي بحيث يحتل معظم مساحة الملصق، يرافقه الشعار الدائم للمعرض وله شكل مثلث تتقاطع مع ضلعه الأيمن دائرة على شكل ترس آلة ترمز للصناعة، وتشغل ضلعه الأيسر سنبلة قمح رُسمت بشكل مبسط ترمز للزراعة، فيما يحتل أعلى المثلث جناح يرمز للتجارة. ويضم الملصق أيضاً شعار هيئة المعارض الدولية يرمز له رأس رجل يرتدي قبعة لها جناحان. كما يضم بشكل دائم عبارة (معرض دمشق الدولي) مرفقة برقم الدورة باللغة العربية ثم باللغة الفرنسية (وفي السنوات الأخيرة بالانكليزية بدلاً عنها) وتاريخي بدء واختتام كل دورة باللغتين المستخدمتين (العربية والفرنسية، أو العربية والإنكليزية).
ورغم تلك الثوابت التي لم يخل منها أي ملصق سنوي، ولا حتى بطاقات الدخول وسواها، فإن المصممين وجدوا أنفسهم دوماً قادرين على ابتكار تصاميم جديدة كل عام، وفي بعض الأعوام كانت تلك التصاميم تشير إلى جديد ما في المعرض، أو إلى رقم الدورة بشكل ما ضمن صيغة فنية خاصة. ففي أواخر الخمسينيات ضم واحد من الملصقات صورة لمجسم الكرة الأرضية التي كانت تشغل ساحة الأمويين بجوار المعرض حينذاك، وضم تصميمٌ في مطلع الستينيات رسماً للنصُب التذكاري الذي أقيم علي مشارف ساحة الأمويين بمناسبة إنجازه، وهو النصب الذي حمل بداية اسم نُصب الوحدة ويعرف حالياً باسم السيف الدمشقي.
سعد القاسم
التاريخ: الثلاثاء 6-8-2019
رقم العدد : 17042