ما أن يعلن موعد قدوم عيد الأضحى المبارك حتى تبدأ تباشير البهجة والسرور تظهر، عله يعيد للنفوس المتعبة من الحرب وويلاتها ما يشفي جراحهم النازفة من مشقة جشع وطمع التجار ومرارة أفعالهم التي مازالت تسكن كالشوكة في حلوق السواد الأعظم من طبقة أصحاب الدخل المحدود.
جميل توقيت حضور الضيف الذي تزامن مع بداية الشهر (قبض الرواتب) الأمر الذي وجده الكثيرون – وخاصة أصحاب الدخل المحدود – منقذاً من الاستدانة ومساعداً لتأمين ما قل وزنه وحجمه وثمنه في آن معاً من مستلزمات وحاجيات العيد التي درج الناس على اتباعهاً منذ مئات السنين وحتى يومنا هذا لتتحول إلى عرف وعادة، هذا ما إذا استثنينا الأضاحي التي تم شطبها وبشكل نهائي من الطقوس الاحتفالية «لأصحاب الدخل المحدود طبعاً» الذين لا يملكون القدرة والملاءة المالية الكافية لإتمام هذا الأمر..
أصفار براقة…!
ولان السوريين خلقوا كرماء و أصحاب ذوق، فهم يقومون في كل مرة بالتجول في الأسواق ومعهم الجزء الأكبر مما ادخروه من رواتبهم وجمعياتهم و»مطمورة أولادهم»، وتوزيعها ليس بالتساوي لتأمين متطلبات العيد «الأهم فالمهم» والتي تتصدرها بلا منافس أو منازع ألبسة الأطفال والنساء تليها الحلويات والعصائر والموالح وصولاً إلى العيدية التي تخضع قيمتها هي الأخرى لعمر الطفل، بمعنى أن قيمة العيدية ترتفع بالنسبة للأطفال ممن هم دون الخامسة عشرة عن الأطفال الذين لم يتجاوزوا سن العاشرة، في حين يخرج طلاب المرحلة الثانوية والجامعية «ونسبة كبيرة جداً» من معادلة العيدية.
وفي نظرة سريعة على الأسواق وتحديداً محال بيع الحلويات فيها نجد وبوضوح علامة الدهشة والاستفهام وكذلك الاستغراب مرسومة على أوجه ليس فقط الداخلين والخارجين من وإلى تلك المحال وإنما الواقفين على واجهاتها أيضاً، حيث شكك البعض منهم بصحة نظره وهو ينظر إلى أسعار الحلويات التي لم يخلُ صنف واحد منها «إلا فيما ندر» من ثلاثة أصفار على أقل تقدير إلى جانب الرقم الأساسي الذي يقفز وبرفة عين من الآلاف إلى عشرات الآلاف لقاء الكيلو غرام الواحد من هذه الأصناف لاسيما «المبرومة – عش البلبل وآسية…» منها، وهذا ما جعلهم يحدقون في سعر هذه الأطباق…!! وعد الأصفار – كما حدث معنا خلال جولتنا في أحد المحال حيث سجلنا سعر كيلو الحلويات العربية المشكل بـ 15 ألف ليرة (ما يعادل نصف متوسط راتب الموظف المقدر بـ 30 ألف ليرة) والآسية بالفستق الحلبي بـ 13 ألف، والمبرومة بين 10 الاف و 12 ألف ليرة، والشوكولا بـ 7 آلاف ، والراحة بـ 6 آلاف، وكول وشكور بـ 7 الاف، والشرحات بين 8500 و 10 آلاف ليرة، وعش البلبل بـ 6 آلاف، والى ذلك من تلك الأصناف الذهبية وأصفارها التي لا تقل لمعانا عنها.
أثناء دخولنا إلى أحد محال الحلويات في سوق الشعلان وسؤالنا عن الأسعار، دخلت سيدة تسأل عن سعر كيلو البرازق فأجابها البائع بـ 3 آلاف ليرة، الأمر الذي استهجنته قائلة:كان في عيد الفطر السابق بـ 2000 ليرة فلماذا 3 الاف الآن..؟ ليأتي جوابه سريعا: هذا صحيح… ذلك في عيد الفطر يا سيدة وهذا عيد الأضحى..!! مع ضحكة صفراوية، فردت السيدة قائلة: كل الحق على التموين..!!
البسطات والتصنيع المنزلي
في غمرة هذه الأسعار الجنونية على جيوب أصحاب الدخل المحدود الذين لم يجدوا سبيلا لتأمين احتياجاته سوا اللجوء إلى الأنواع الرخيصة من الحلويات والسكاكر المنتشرة في المحال الشعبية والبسطات المنتشرة على الأرصفة، كون أسعارها أقل مرارة حيث نجد سعر كيلو الكراميلا مثلا لديهم بين الألف و 1200 ليرة، والشوكولا من 2000 إلى 4000 ليرة، كما لجأ العديد منهم إلى شراء المواد الأولية لتلك الحلويات وصنعها منزليا ما يوفر عليهم جزءا من هذه الاصفار.
دمشق – الثورة:
التاريخ: السبت 10-8-2019
الرقم: 17046