(بوح القوافي) عنوان مجموعة شعرية صدرت عن مؤسسة سوريانا للشاعرة ازدهار نمر رسلان ب 134 صفحة من القطع المتوسط.
تضمنت المجموعة عدداً من القصائد المتنوعة المليئة بالحب والأمل نذكر منهم: درّة الكون – هذي العروبة – لملم جراحي – أمل – اترع الراح – لهفة – رفقاً بالمشاعر…الخ.
في أكثر من قصيدة نجد ازدهار استطاعت من خلق ضوء ناتج عن الانبعاث الذاتي لتؤكد وحدة العمل الفني القائمة على الحب, حاملة إرادة شعرية منصهرة ببوتقة الموهبة المتميزة والملحوظة, فهي وصلت بحق إلى احاسيسنا الدفينة وحرّكتها وأشعلتها, بحِرفيتها العالية, وجاذبية كلماتها التي لاحدود لها.
صوّرت الشاعرة المعنى الحقيقي للحب بجمال موسيقا أيام زمان, وبما ينثر العبق في الجنان.. روعة صورها المكتظة بالحب هي استنطاق لذاتها.. فها هي تقول في قصيدتها: (الحب هو التقوى ):
أخادع روحي الثكلى بأني بنت لا أهوى..
محال أنني أهوى..
أخاف النور يغريني ومن حتفي يدانيني..
كجنح فراشة تُكوى..
إذا ما النوم جافاني وأجّ لهيب أشجاني..
أذوب كقطعة حلوة.. أعاقر كأسي الصافي..
وألثم طيفك الغافي… فأسلوالهمّ والشكوى..
وفي (قبلة المجد الشآم) يضوع عطر القصيدة.. كيف لا وهي تتحدث عن الشآم, ففي كل حرف وكل مفردة يفوح العطر المضرع بالكبرياء, ليبقى عبر السنين شامخاً كقاسيون وعذباً كبردى وعتيقاً ومرصعاً كالسيف الدمشقي:
هذا فؤادي من أشواقه اتقدا..
وطاف حولك ياشام الشموخ مدى
هذا جنبي لم يشرك بخالقه..
وبين عينيك كم صلى وكم سجدا
لأنك الشام لاتستغربي شغفي..
من لم يمت فيك حباً يكتوي حسدا
لو قدر الله يوماً نقل قبلته..
لكنت قبلة من ضل ومن شردا
وعندما تحدثت صاحبة ديوان (أنثى من ضياء) عن الشهادة في قصيدتها (شهيد الأوطان) نجدها قد أبدعت وأطربت, فهي نسجت تراكيبها بتميز واضح,, وتوغلت بالدلالات فانسكبت حروفها نغماً, أمتعتنا بالمعاني, وبعذوبة المفردات, وبالصور الشعرية التي تؤنس الجريح وتطيّب جراحه:
وعرفت أن القدر صار خصمي
سرق حبيبي كما القرصان
على شفاه المؤذن تاهت الكلمات
لملمتها.. جمعتها.. ركبتها باتقان
وأدركت حينها أن حبيبي
صار اسمه شهيد الأوطان
وكتب رياض طبرة في مقدمته: قبل أن أعبر إلى عالم الشاعرة ازدهار نمر رسلان ومن هي على لسان قوافيها، وأي إضافة يحققها هذا البوح، لابدّ من الوقوف في حضرة القصيدة، والإصغاء بما نقوى عليه أمام هذا (البوح العابق والباذخ للقوافي)، وما علينا إلا أن نحرص على تميزه، والذي سرني كثيرا أن الشاعرة أذنت لي بتقديمها، والجديد ليس في المضمون وحده، ولا في الشكل وحده، بل في هذه الوحدة التكاملية وما بينهما من تناغم وتناسق وانسجام، ليؤديا معاً ما رمت إليه القصيدة، وقد صارت بين يدي هذه المبدعة الثكلى كأحلى ما تكون الأناشيد في ميادين الفرح والحزن والرثاء والبوح والانتصار للوطن في معاركه.
أكثر ما لفت نظري واستوقفني هذه العودة المظفرة لقصيدة العمود وهي تحمل ما يؤكد أن الشعر سيظل ديوان العرب، لأننا وبعيدا عن أي مبالغة أمام ثلاثية الحب والحرب والموت، وقد أنشب كل منهما أظفاره في روح الشاعرة، لكنها كوطنها عصية، وكأمتها كبيرة، وككل السوريات المبدعات ظلت أمينة على رسالة المحبة والعطاء.
الحب هو المنتصر الحقيقي وقد أعطته ازدهار ما يستحق في كل مفردة وفي كل تركيب والشواهد كثيرة، وهي لولاه لما صالت ولما جالت من أجل أن تفضح الحرب، وتتوجع وتصبر وتتحمل الموت يقتحم عليها أسوارها فيختطف سيد قلعتها، ثم لا يتوانى عن أن يكوي قلبها بأغلى ما عندها.
من أجواء المجموعة نقتطف:
يا من أُناديك والغصات تقتلني..
نبكي ونبحث عنْ حُـبٍ قتلناه
كُنّا نروم مِـن العينين مقربة..
ومِـنْ لذِيْـذ رُضـابِ الثّـغـر أشْـــهاهُ
ونـختفي خلف غيماتٍ تظللنا..
وكُلّــما صادنا واشٍ صــددنـاهُ
ونستعيْــذُ إذا هـاجــتْ مـشاعِــرُنا..
باللّـهِ مِـنْ كُـلِّ ذِي إفْــكٍ عــرفْـناهُ
لا تغرني بوصالٍ كنت أرقبه..
واغفر لقلبي إذا زادت خطاياه
عمار النعمة
ammaralnameh@hotmail.com
التاريخ: الأحد 11-8-2019
رقم العدد : 17047