تَنسحب الولايات المتحدة من الحوار عبر المحيط الهادي، وتَنقلب إدارة ترامب على ما كانت بدأته إدارة أوباما، ثم لا يُحدث انسحابها أيّ رد فعل ليس لدى العالم، وإنما حتى لدى الأطراف المُشاركة بهذا الحوار! لماذا؟.
تُهدد الولايات المتحدة بالانسحاب من مُنظمة التجارة العالمية، لأسباب تتصل بأطماعها وسبل فرض هيمنتها التي في الطريق إليها تُوزع الاتهامات وتُفبرك الوقائع ضد خصومها، ولا تُوفر العقوبات الاقتصادية كسلاح تَستخدمه ضد الدول، الشركات، الأفراد والشخصيات الاعتبارية، ثم لا تُلامس ردود الفعل الدولية مُجرد مُلامسة خطورة ما تَقوم به من شذوذ بسلوكياتها! لماذا؟.
تُعلن الولايات المتحدة انسحابها من مُنظمة حقوق الإنسان، رداً على سقوطها بانتخابات مَجلس المنظمة، الذي كان أقرب إلى الطرد من المجلس، منه سقوطاً بانتخابات دورية، ثم لا نَجد ردود فعل دولية تقول لها – في أضعف الإيمان – بأن السقوط بالانتخابات، والطرد الذي واجهته، وإعلان الانسحاب، لا يَستوي معها الاستمرار بادعاء الدفاع عن حقوق الإنسان في جهات الأرض الأربع! حتى هذا، ما قِيلَ لها، وتُرِكَت كياناً فوق القانون يُمارس دور الشرطي الفاسد الذي لم يُكلفه أحدٌ بأي مهمة! لماذا؟.
تَدخل الولايات المتحدة المحكمة الجنائية الدولية، وتَخرج منها في الوقت الذي تَجده مناسباً لها! تُهدد الجميع بالإحالة إليها في وقت تكون هي خارجها، لا تَعترف بها فقط لأنها لم تَمنح جنرالاتها وجنودها الحصانة! أو لأنها هددت ذات مرة جنرالات صهاينة ووزراء في حكومات صهيونية بالمُحاكمة! ثم لا تَصدر مواقف تُندد أو تَستهجن.. فقط تَستهجن! لماذا؟.
تَنقلب الولايات المتحدة على الاتفاق النووي الإيراني الذي أُنجز بشق الأنفس، وبنتيجة مُفاوضات طويلة مُعقدة وقاسية! تُسقطه بإجراءاتها، وتُهدد من لا يَمتثل لعقوباتها الأحادية المَفروضة على طهران، ثم تَعجز أطراف الاتفاق – كلهم من الكبار، أعضاء دائمون بمجلس الأمن الدولي، وألمانيا – عن فعل شيء! لماذا؟.
بمُنتهى الوقاحة، تُعلن الولايات المتحدة انسحابها من مُعاهدة الأسلحة النووية المُتوسطة وقصيرة المدى المُوقعة مع روسيا، وتُؤكد البدء بتطوير صواريخ نووية، تَعتزم نشرها في أوروبا وآسيا! ثم لا نَجد إلا رد فعل دولياً خجولاً هزيلاً، لا يُسمعها كلمة ثقيلة، ولا يُواجهها بمَوقف مُتشدد من شأنه أن يَردعها! لماذا؟.
بمَقدورنا أن نُعدد الكثير من حالات الشذوذ الأميركية المُماثلة لما تَقدّم ذكره كأمثلة ونماذج، لنُظهر عهر أميركا، عدوانيتها وانحطاطها، ولنُبرز المُفارقات العجيبة الغريبة المَرفوضة، وبالتأكيد لن نسأل عن دوافعها التي نَعرفها ويَعرفها العالم، لكن لنَسأل عن ضعف العالم، وعن عَجزه عن مُواجهتها، ولنَسأل: ماذا لو فعلت روسيا والصين – روسيا والصين وليس إيران أو جنوب افريقيا أو فنزويلا – جزءاً مما تَفعله أميركا؟ هل كان ليَمر؟ أم كانت لتُوضع خلال ساعات تحت الفصل السابع ويتم التحرك الفوري ضدها؟! فأين الفصل السابع؟!.
علي نصر الله
التاريخ: الأثنين 12-8-2019
رقم العدد : 17048