كالناسك في محراب الجمال تقف الشاعرة «ليندا ابراهيم» هامسة أبياتاً من خوابي روحها، ولم يكن برنامج «قوافٍ» سوى وقفة مع الذات لتستفيض بما لم تكتبه ولم تنشره في دواوينها الشعرية الستة، فهي الحالمة التي تهدي الياسمين مع كل نفحة سلام لتصلّي للشآم بأبجدية الرسولة الهائمة حباً.
«حبر قديم في دواة الغيم موطني.. كوخ لعرّاف يسمى كاهن الأسرار.. صلى لانعقاد السكر المكنون في قلب الزهر».
هي بنت بيئتها التي رفعت شأن الروح فاستفاضت نثراً وغرقا في بحور الشعر، حتى حصلت على جائزة أمير الشعراء 2013، فكانت «امرأة الأرض «كما أسمت أحد دواوينها، ترتشف منها مفردات باطنية، وتطوّع لغتها أشعاراً صوفية تبحث في الأمور الوجودية، فتميزت كتاباتها بهذه المفردات، لتتعمد روحها تارة وتصلب تارة أخرى كي تتطهر في محراب البوح ومنعطفات القصيدة، لتلوذ بها من عتمة الماديات ودنسها في هذا العالم، فالشاعر وبرأيها أشد المخلوقات انسانية إحساساً وشعوراً.
هي الموهبة الطاغية في عيني ابراهيم، تبحث من خلالها عن الله، تجده في داخلها فهي كالتائهة دونه يتجلى في ضحكة طفل ووجه أم يختزن مشقات الحياة، راحت في «مدونة التراب» تنشد للفقراء «وأنشد للطيبين الذين إذا ذكروا شبع الرب حزنا عليهم وفاضت مآقيه حتى قيام الحنين».
أضافت شهادة الشاعر والأديب راتب سكر بالشاعرة ابراهيم ألقاً للحلقة، لافتا إلى رؤيتها للشعر وقضية التحويل والتعبير عن النص الشعري ورغبتها المضمرة في تحويل الواقع إلى عالم نوراني يتوق إلى سموه الخاص، هذا التوق تبحث عنه شعرا باستلهام التراث الديني والأدبي في ثقافتنا.
لا تعلم ابراهيم متى سكن بها الشعر ولا إلى أي مدى سيستمر ولا تريد تأطير علاقتها به، فهو عالمها الخاص الذي تسكنه وفي فيئه تستظل روحها لتعيش ثالوثها المقدس الشعر الحب والحياة.
لم تنشر خبايا روحها إلا حين تعتق ونضج شعرها، فاشتغلت عليه واجتهدت دون استسهال في عقل القارئ فكان مولد ديوانها الأول «لدمشق هذا الياسمين» عام 2013.
«والشعر أكثر من نبي عارج للضوء.. يبحث عن نبوءته بقلب طافح للسفر عن فردوس للمشتهى والمنتهى.. عن وجه رب هائم بالطين.. هذا هو الشعر».
تعتبر الشاعرة ليندا ابراهيم الشعر موهبة أنثى أينعت ثمراً، وموقف من الحياة وتعتبر أن الكتاب والمثقفين نخبة المجتمع يواجهون بمواقفهم المشرفة الداعمة لحضارتهم، فهي تجد أن قوة الثقافة تختلف بموجب العوامل وأن المثقف الحقيقي يمتلك هذه القوة ولا شيء سوا الثقافة قوة.
طرقت ابراهيم باب الصحافة فحجزت لقلمها المبدع زاوية في صحيفة الثورة لتوسع رؤيتها وتقول بعيدا عن الشعر ما لا تستطيع قوله، فهي تحزن عندما لا تلق قلماً تدون ما تراه وتحسه، لتكتب زاوية تخاطب بها الناس وتطرق بعض القضايا الثقافية البحتة، فالإبداع عندها ليس له حدود فكثير من الشعراء أبدعوا في أجناس الأدب وأمور أخرى.
راحت المهندسة ليندا إبراهيم تهندس كلماتها في الضفاف الماتعة، تحاور بالشعر الحياة بإدخالها المفاهيم المعمارية تماسا مع الروح والرؤية فامتلكت صلابة الجبال ورهافة الياسمين، فاختصرت بوجدانها مفردات الوطن فكان حبيبها والأمل بالمستقبل، والغربة بالضيم، والسفر بالاكتشاف، أما أعلام الأدب فنهلت منهم ووصفتهم برؤيتها فكان محمود درويش شاعر، والسياب بالمحارب ونازك الملائكة بالمبدعة وبدوي جبل بالعبقري والنبي يوسف بالأنا».
عرفت نفسها فأبدعت في توصيفها فكتبت قصيدة «عودة يوسف» ونالت جائزة عمر أبو ريشة محاولة إعادة قراءة النص المقدس وانتاج شخصية يوسف بطريقتها الشاعرية.
«ما كان رؤيا ما رأيت ولكن السر العليا..حلم النبوة هدني وسنين حزن أبي تولول في دمي تهتف وا بني.. ما دار في خلد العزيز بأن قافلة من الأحزان سوف تقلني بقصور عشقي ثم تتركني أواجه غيب أيامي شقية..أنا عائد يا أخوتي دقوا لأجلي كل أجراس الحنين..وهيئوا كل الزوايا والتكايا والبخور.. وخزائن القمح النضير من نسوة قطعت أيديهن من وله عليا..ليس تعنيني النبوءة والكواكب بل دموع أب النبي تطل من حولي بكيا..أنا عائد من غربتي هذا قميصي خالصا أودعته السر العصية».
ر. س
التاريخ: الثلاثاء 13-8-2019
رقم العدد : 17049