في المقهى المعتاد بوسط المدينة، كان يجلس بالقرب من طاولتنا شاب غريب الأطوار، يبتسم أحياناً وينفعل أحياناً أخرى، ويكلم نفسه ويضرب على الطاولة بطريقة لافتة للنظر..
الفضول دفع صديقي (أبو الريش) لدعوته إلى طاولتنا فلبى الدعوة مباشرة..
وما إن جلس معنا حتى قال: اطلبوا لي (نسكافيه ثلاثة بواحد) فطلب له أبو الريش، ثم سأله عن مهنته فقال، بعد أن (انجعص): شاعر حداثوي..
فقال له أبو الريش: أسالكَ عن عملك الأساسي؟
فغضب (الشاعر الحداثوي) ونظر إليه بحنق وقال: قلت لك شاعر.. يعني متفرّغ للشعر..
قال له أبو الريش: ما رأيك أن تُسمعنا مقطعاً من شعرك؟!
فأنشد يقول: كلا.. كلا.. لا تعبسي..
سأخطبكِ ذاتَ صباح ليلي..
أنا مَنْ جعل الفعل الماضي ينقرُ حباتِ العنب؟!
أنا حرفُ الجرٍّ المضارعٍ..
أنا صهيلُ البلبل.. وتغريدُ الحصان)!!
قاطعه أبو الريش: ماذا تقصد بقولك (صهيل البلبل.. وتغريد الحصان)؟!
ابتسم الشاعر الحداثوي ابتسامة المنتصر، وكأنه ينتظر مثل هذا السؤال، ثم قال: كم أنت ساذج وسطحي..!!
هل تريدني أن أقول: (صهيل الحصان.. وتغريد البلبل) كما يقول بقية الناس العاديين؟!!
قال له أبو الريش بخبث: أنا لا أحب شعر النثر الغامض.. أحب الشعر العمودي الموزون..
اسمعنا بيتاً من شعرك الموزون المقفى.
ضرب الشاعر الحداثوي بيده على الطاولة بعصبية وقال: أنا لا أكتب الشعر العمودي..
سأله أبو الريش: ما عندك ولا بيت شعر عمودي؟!
فأجابه: لا..
فقال أبو الريش بعد أن فرد ريشه، وبلغة المثقف الناقد: من لا يستطيع كتابة بيت واحد من الشعر العمودي ليس بشاعر..
جن جنون الضيف وضرب على الطاولة بقوة جعلت النسكافيه والقهوة تندلق على ثيابنا، وقال:
عندي عشر مجموعات شعرية وتتهمني بأنني لستُ شاعراً!!
فأجابه أبو الريش: أنا لستُ شاعراً، ولكن بشهرين يمكنني أن أكتب عشرين مجموعة من نمط (صهيل البلبل وتغريد الحصان).
هلال عون
التاريخ: الأربعاء 21-8-2019
رقم العدد : 17052