مشاهد سوريّة (3)

الملحق الثقافي:د. ثائر زين الدين:

مشهد
كنتُ حينَ أعودُ.. أُحدِّثُها عن نهاريَ؛
ما سَرَّني،
ما أساءَ إليّْ!
كنتُ أضحَكُ مُنتشياً بابتسامتها،
أتَذَمَّرُ…
أشكو…
أسبُّ…
ولمَّا تزلْ تتضوعُ مثلَ حديقةِ وردٍ،
تلُمُّ شتاتيَ،
تحنو عليّْ.
ثُمَّ ها أنذا وقد التفَّ حولي الصحابُ يواسونني:
«كن صبوراً»… «مشيئةُ ربِّكَ»… «يرحمها الله»…
ما جالَ في خاطري
غير أن أركضَ الآن نحوكِ،
أنظر في مقلتيكِ وأسأل:
-ماذا سأفعَلُ؟
كيفَ تشيرينَ أن أتصرَّفَ؟
كيفَ سنجتازُ هذا النهارَ الثقيلَ
كجثَّةِ حُلمٍ!
وأبكي على ركبتيكِ
كطفلٍ شقيّْ…
دمشق 2018

**
مشهد
الضابطُ مسؤولُ المشفى
يتصببُ حُزناً؛
ليلةَ ماتَ ابنُ المرأةِ زارَ المنزلَ،
غسَّلَ أدرانَ العالمِ عن جسدٍ ما عادَ فتيّاً،
وتعشّى، جامعَ زوجتَهُ،
ونامَ كفيلٍ مُرهَقْ.
وطبيبُ العمليّاتِ الأبيضُ
من شعر الرأسِ
إلى أخمصِ رجليهِ،
تردَّدَ مُرتبكاً،
ومضى يسردُ:
-سيِّدتي… ابنُكِ كان قريباً من قلبي،
بل ابني… وأنا أطفالاً لم أُرزَقْ.
حاربتُ الموتَ – كما حاربَ في الجبهةِ-
حينَ نزعتُ شظايا سابحةً في الجسمِ؛
كمن يبحثُ عن إبَرٍ في كومةِ قشٍّ،
وصحا بعدَ العمليَّةِ… هنأناهُ،
تُرانيَ عجَّلتُ الأمرَ…
كطفلٍ أحمقْ؟
مُستَخدَمةُ الغرفةِ تبكي:
-كان وسيماً، وخجولاً، لم يطلُب شيئاً منّا
كيلا يُزعِجَ أحداً.
وتلوذُ مُمرِّضةُ القسمِ بصمتٍ باكٍ؛
ابنُ المرأةِ ماتَ، ولكنَّ لها ولداً
يخدُمُ في مطعمِ نادي الضبّاطِ،
ويرجعُ كُلَّ مساءٍ…
دَفّانُ الشهداءِ يُحدِّقُ في الأرضِ…
يفكِّرُ:
كان التابوتُ هزيلاً من خشبٍ رَثٍّ…
سجّاهُ بلا كفنٍ!
-لكن ما ذنبيَ؟
يتذكَّرُ: قتلى الميدان يُكفِّنهم عُشبُ الأرضِ…
ورملُ البيداءِ… فلا تابوتَ ولا..
تغرورقُ عيناهُ بدمعٍ مُحْرِقْ.
يا ربَّ العِزَّةِ:
هذا العالمُ… كلُّ العالمِ ليسَ بريئاً
قُدّامَ امرأةٍ فقدت في الحربِ ابناً،
ليسَ بريئاً – مهما حاولَ أن يثبتَ ذلكَ-
في حضرةِ
قلبٍ مجروحٍ يخفقْ!
دمشق 27/5/2019
**

مشهد
عادَ من الجبهةِ، لا أعلمُ من أينَ؛
بكى وقد حَضَنتُهُ:
-سُرِّحتْ!!
حمدتُ ربّي لا أرى جُرحاً،
وسافرنا إلى القريَةِ…
يومانِ من الأعراسِ… كم غَنَّيتُ!
كم فرحتْ!
في ثالثِ الأيامِ هبَّ صُبحاً،
ساعدَ الوالدَ في بناء سورِ الدارِ…
خَرَّ مثلَ برجٍ شامخٍ…
تردَّدَ الطبيبُ وهو يشرَحَ الحالةَ في المشفى:
-كُريّاتُ الدمِ البيضاءُ… والصفائحُ الـْ… شهرانِ لا أكثرَ.
أصحو كلَّ ساعةٍ… ما عُدتُ أُلقي للرؤى بالاً:
طيورٌ لم تزلْ تحملني فوقَ بيوتِ الطينِ،
تُلقيني إلى ماءٍ كثيفٍ أسودٍ…
يعدو بيَ المُسْعِفُ؛ كُلّي في بياضٍ غامضٍ…
أنظرُ: ما زالَ على غَفوتِهِ؛ كيفَ سيمضي؟
كيف أبقى دونَهُ؟ لو أنَّهَ يعيشُ عامين…
يرى طفلته قد كبرت… تحفَظُهُ…
لو أنني أستطيعُ غَلَّقتُ الكوى،
بالقفلِ… بالمزلاجِ،
أمسكتُ سلاحاً بانتظارِ القادمِ الشريرِ
خلفَ البابِ…
/أبكي…/
ليتني أدفَعُ عنهُ الموتْ.
دمشق 7/6/ 2019

 التاريخ: الثلاثاء27-8-2019

رقم العدد : 17057

آخر الأخبار
غرفة  صناعة حلب تفتح باب الانتساب لعضوية اللجان  وتعزز جهود دعم الصناعة عصام الغريواتي: زيارة الوفد السوري إلى تركيا تعزز العلاقات الاقتصادية والتجارية مباحثات سورية–إماراتية لإحياء مشروع مترو دمشق الاستراتيجي أحكام عرفية بالرقة واعتقالات في ظل سيطرة «قسد»...والإعلام مغيّب تحقيق رقابي يكشف فضيحة هدر بـ46 مليون متر مكعب في ريف حمص بعد توقف دام 7 أشهر..استئناف العمل في مشتل سلحب الحراجي "الأشغال العامة" تعرض فروع شركتي الطرق والجسور والبناء للاستثمار من وادي السيليكون إلى دمشق.. SYNC’25 II يفتح أبواب 25 ألف فرصة عمل خفايا فساد وهدر لوزير سابق .. حرمان المواطنين من 150 ألف متر مكعب من الغاز يومياً الكلاب الشاردة مصدر خوف وقلق...  116 حالة راجعت قسم داء الكلَب بمشفى درعا الوطني   تعزيز التواصل الإعلامي أثناء الأزمات الصحية ومكافحة المعلومات المضللة غلاء الإيجارات يُرهق الباحثين عن مسكن في إدلب ومناشدة لإجراءات حكومية رادعة غزة بين القصف والمجاعة و"مصائد الموت" حصرية السلاح بيد الدولة ضرورة وطنية ومطلب شعبي أكبر بساط يدوي من صنع حرفيّ ستينيّ الادعاء العام الألماني يوجّه اتهامات لخمسة أشخاص بارتكاب جرائم حرب في مخيم اليرموك زيارة رسمية لوزير الداخلية إلى تركيا لتعزيز التعاون الأمني وتنظيم شؤون السوريين تراشق التصريحات بين واشنطن وموسكو هل يقود العالم إلى مواجهة نووية؟ من البراميل والطائرات إلى السطور والكلمات... المعركة مستمرة تعددت الأسباب وحوادث السير في ازدياد.. غياب الحلول يفاقم واقع الحال