تشكل حماية ما تبقى من إرهابيين وعلى رأسهم «النصرة» الشغل الشاغل لأميركا والغرب اليوم، وهذا يتضح بشكل جلي من خلال مشاريع القرارات التي يقدمها أقطاب العدوان إلى مجلس الأمن الدولي تحت ذريعة الوضع الإنساني في إدلب، وآخرها مشروع القرار الذي أجهضته روسيا والصين في ضربة الفيتو المزدوج، ولكن ذلك لم يمنع منظومة العدوان من مواصلة تقديم الدعم المباشر للإرهابيين، ومن على شاكلتهم، سواء في إدلب أم الجزيرة السورية.. والهدف دائماً إطالة أمد الأزمة، وزرع العقبات أمام الجيش العربي السوري لمحاولة منعه من استكمال حربه على الإرهاب، وبالتالي فرض أمر واقع على الأرض يتمثل بتكريس مناطق نفوذ تهيمن عليها واشنطن ونظام أردوغان عبر مرتزقتهما، ويكون لأقطاب المحور الداعم للإرهاب حصة من المكاسب، سياسيةً كانت، أم بعضاً من الفتات الناتج عن عمليات السرقة الممنهجة لثروات السوريين.
أردوغان يستمرئ كثيراً العزف على نغمة «المنطقة الآمنة» المزعومة، ويضبط إيقاع تهديداته المستمرة بشن عدوان جديد على الأراضي السورية، على التكتيك الأميركي الذي يحاول إبقاء جميع الخيوط بيده، حيث تسعى واشنطن للاحتفاظ بأداتها العثمانية، ولا تريد في الوقت ذاته السماح لأردوغان أن يكون المسيطر الوحيد على «المنطقة الآمنة»، وتعمل على تقوية ذراعها الإرهابي «قسد»، وأن يكون جزءاً من أي اتفاق عملي مع أردوغان بخصوص تلك المنطقة، ليشكل ذاك الذراع مع بقايا إرهابيي «النصرة» وداعش في إدلب كياناً موحداً يستكمل المشروع التقسيمي، الذي يريده الكيان الصهيوني حزاماً آماناً يحمي وجوده في المستقبل، ولكن كل ذلك يبقى بطبيعة الحال في إطار الأوهام غير القابلة مطلقاً للتطبيق على أرض الواقع، لأسباب عديدة، أهمها الإرادة السورية الرافضة لأي وجود إرهابي أو احتلالي أو انفصالي.
ما يجري من إرهاب أميركي وغربي موصوف على الأرض السورية، لا يمكن فصله عن المحاولات الأميركية المستميتة لتثبيت وجودها العسكري في المنطقة كلها، وعمليات التحضير الجارية لإرسال المزيد من التعزيزات العسكرية إلى منطقة الخليج يصب في هذا الاتجاه، وخاصة أن ترامب يخلق المزيد من بؤر التوتر بهدف استثمارها، ولا يتورع عن استغلال جيش بلاده للمتاجرة به في أسواق النخاسة الدولية، ولذلك رفع مستوى ضغوطه على إيران، ليبتز بقرته السعودية الحلوب من ناحية – وقد نجح في هذا الأمر-، ولكي يعزز وجوده العسكري في المنطقة من ناحية أخرى، بهدف إبعاد شبح تهاوي الهيمنة الأميركية الذي بدأ بالتورم، بعد صعود قوى دولية أخرى باتت تهدد نظام القطبية الأحادية في العالم.
كل السيناريوهات التي يحضر لها الأميركي وأدواته الغربية والإقليمية في سورية والمنطقة، لن يكتب لها النجاح حتى وإن كانت تداعياتها قاسية، فشعوب المنطقة تمتلك من القوة والإرادة والتصميم ما يكفي لوضع حدّ للأوهام الأميركية والغربية.
كتب ناصر منذر
التاريخ: الأحد 22-9-2019
الرقم: 17080