مريران – تل أبيض

ثلاثون عاماً بالتمام والكمال، وبمثل هذه الأيام حملتني ريح طيبة إلى الرقة مدينة الرشيد، لا أعرف عنها حين وصلتها إلا ما قرأته في الكتب، وحين أدخل مديرية التربية كمدرس معين حديثاً هناك، ينظر إلي موجه اللغة العربية وبلهجة ربما ليست مقبولة: إلى تل أبيض، مريران، اصمت قليلاً، اسأله: هل هي بعيدة من هنا؟ لا.. مسافة قليلة، أتجه الى الفندق الوحيد حينها، الطقس حار، وسماكة الغبار التي زادت قساوة الوسادة تمنعني من النوم، لكن التعب هدني، وفي الصباح ثمة مشهد آخر، عجاج غطى المدينة كلها، ولكن لا بد من مريران، أتجه إلى كراجات تل أبيض، أحشر نفسي قرب من سيدلني على مفرق مريران.
ينطلق الباص، نصف ساعة ولا شيء إلا مساحات خضراء من الحقول، وكلما ألتفت إلى جاري يقول لي: لما نصل بعد، يخفق القلب لكذبة من أرسلني، ربع ساعة أو أقل، لكن لا بأس، بعد ساعة ونيف، ينظر إلي جاري هذا مفرق مريران يتوقف الباص،لا أحد غيري ينزل، أقف تائهاً، لا أدري أين أتجه، لكن جراراً قادماً أنقذ الموقف، أسأله: أين الطريق إلى مريران؟.
يضحك.. تفضل أصعد.. وأين أصعد لا مكان إلا سكة الحراثة التي يجرها، أتخذ منها مقعداً يهدهد التعب، ومطر تشرين يهطل، حين يصل المدرسة يبتسم، هذا المكان المطلوب أليس كذلك؟ بلى، هو، زملاء سبقوني إلى مريران قرية القمح والحبش والكرم والعطاء، مضى يومان على قلق، لكن اليوم الثالث كان كفيلاً أن يجعلني أثق أني بين الأهل والأحبة، لا شيء هنا يمكنك شراؤه، لكن ما من شيء ينقصك، كل ما تحتاجه هو عندك بلا سؤال، بلا مجرد إيماءة، إلى المدرسة يصل بكل محبة ولهفة.
في المساء ثمة مضافة للمختار، هي مكان الأنس والنقاش وملتقى الجميع، فيها كل ما تتمنى أن تسمعه من الحديث عن الزراعة إلى الطب والسياسة والأدب، ولكن حسب كل متحدث، والمجموع أكثر من مئة شخص، الضيافة للجميع، وحين يكون موعد تناول طعام (غداء – عشاء) المائدة شهية بهية، والخير وفير عميم للجميع، لكن البرد القارس القاتل شتاء كان ينخر عظامي، يفتك بي، ولا بد من زيارة طبيب، ولكن أين هو؟.
يأتي الجواب بتل أبيض، مضينا إليها، استضافنا بعيادته، ومن ثم إلى البيت، سهرة تطول قليلاً نعود إلى مريران، ويمضي شهران من الألفة بالمكان، قرية على التخوم مع تركيا، لكنها متجذرة بالوطن، بالعمل بالحب بالألفة لقمتها منذورة لكل زائر، تشعر أنك تعيش وحدك في قارة نائية، لكنها توفر لك ما تتوق إليه، اليوم تقفز مريران إلى القلب والعقل، صحيح أنها لم تغادرني يوماً لا هي ولا الرقة، لكنها اليوم أكثر حضوراً بحزن دفين، بحرقة على أرض هي الطهر، أرض سورية، سواء أكانت مريران أم تل أبيض، أم أي بقعة جغرافية في سورية، وطننا المسيج بالآلام والآمال، تكسرت النصال على النصال، لكننا واثقون أننا سنحصد زرعاً رواه جيشنا بالدم الطهر، سلام مريران، سلام تل أبيض.

 

ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 11-10-2019
الرقم: 17096

آخر الأخبار
إصلاح محطة ضخ الصرف الصحي بمدينة الحارة صحة اللّاذقية تتفقد مخبر الصحة العامة ترامب يحذر إيران من تبعات امتلاك سلاح نووي ويطالبها بعدم المماطلة لكسب الوقت  الأونروا: إسرائيل استهدفت 400 مدرسة في غزة منذ2023 صحة طرطوس تستعد لحملة تعزيز اللقاح الروتيني عند الأطفال الأونكتاد" تدعو لاستثناء اقتصادات الدول الضعيفة والصغيرة من التعرفات الأميركية الجديدة إصلاح المنظومة القانونية.. خطوة نحو الانفتاح الدولي واستعادة الدور الريادي لسوريا التربية تباشر تأهيل 9 مدارس بحماة مركز لخدمة المواطن في سلمية الاستثمار في المزايا المطلقة لثروات سوريا.. طريق إنقاذ لا بدّ أن يسير به الاقتصاد السوري أولويات الاقتصاد.. د. إبراهيم لـ"الثورة": التقدّم بنسق والمضي بسياسة اقتصادية واضحة المعالم خبراء اقتصاديون لـ"الثورة": إعادة تصحيح العلاقة مع "النقد الدولي" ينعكس إيجاباً على الاقتصاد المحلي في ختام الزيارة.. سلام: تفتح صفحة جديدة في مسار العلاقات بين لبنان وسوريا  محافظ اللاذقية يلتقي مواطنين ويستمع إلى شكاويهم المصادقة على عدة مشاريع في حمص الأمن العام بالصنمين يضبط سيارة مخالفة ويستلم أسلحة مشاركة سوريا في مؤتمر جنيف محور نقاش مجلس غرفة الصناعة منظومة الإسعاف بالسويداء.. استجابة سريعة وجاهزية عالية صدور نتائج مقررات السنة التحضيرية في ظل غياب الحل السياسي.. إلى أين يتجه السودان؟