الملحق الثقافي:اعداد : رشا سلوم:
مازالت آثار الاحتلال العثماني للوطن العربي باقية تفعل دورها التخريبي، فبعد أربعمئة سنة من الاحتلال والعسف والظلم وتأخير حركة الحياة كلها، كانت النكبات الأخرى التي تسبب بها من خلال تعامله ورضوخه للحركة الصهيونية من خلال يهود الدونما وما تركوه من أثر في قرارات الاحتلال العثماني، وقد تجلى ذلك في عهد السلطان عبد الحميد الثاني حيث مازال النقاش إلى حد الآن مستمراً حول دوره في تسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين. وقد صدرت عشرات الكتب عن هذه القضية التي شكلت محوراً في تاريخ المنطقة من خلال ما حدث.
واليوم يجب أن يتعمق البحث بذلك لاسيما أن النظام التركي مازال يعيش أوهام السلطنة وأطماعه لا تخفى على أحد من خلال دعمه الإرهاب والعمل على تتريك المناطق التي دخل إليها في الشمال السوري.
كتاب «دور السلطان عبد الحميد الثاني في تسهيل السيطرة الصهيونية على فلسطين» يقف عند هذه القضية. ترى د. فدوى نصيرات الأستاذة المتخصصة في التاريخ العربي الحديث، أن السلطان عبد الحميد الثاني يحمل مسؤولية ضياع أراضي فلسطين وبيعها للمنظمات الصهيونية وقيام البنية الاستيطانية الأولية التي تأسست عليها «إسرائيل» فيما بعد.
وخلصت نصيرات في كتابها الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت إلى نتيجة يمكن من خلالها أن تفسر التناقض بين ما تم تدوينه في المراجع والمصادر وما حدث على أرض الواقع. ويقدم الكتاب قراءة تاريخية تحليلية لموقف السلطان عبدالحميد الثاني منذ بدايات السيطرة الصهيونية على الأرض في فلسطين، والتي تزامنت مع بداية حكمه 1876م، وتوليه عرش السلطنة العثمانية.
واعتمدت الباحثة في هذا الكتاب على المصادر والمراجع التي تناولت تاريخ هذه المرحلة من حياة السلطان عبدالحميد الثاني، بالإضافة إلى المذكرات والأدبيات والصحف والمجلات العربية والإنجليزية، فضلاً عن الكتابات المعاصرة التي بحثت في تاريخ فلسطين الحديث والمعاصر.
واستهل الكتاب بالحديث عن بدايات السيطرة الصهيونية على الأرض في فلسطين، في الفترة ما بين «1876-1909م»، وهي المرحلة التي بدأت فيها طلائع الصهاينة بالهجرة إلى فلسطين، وبداية تأسيس المستعمرات بشكل منظم، والتي شكلت بدايات السيطرة الاقتصادية، من خلال تأسيس البنوك والشركات التي تُعنى بنشاط الحركة الصهيونية وتدفع بها نحو تحقيق أهدافها.
وكشف الكتاب عن موقف السلطان من الحركة الصهيونية، ومدى قدرته على حماية الأرض والمقدسات، ومنع امتداد هذا النشاط وتزايده، وهو الذي شكل النواة الأولى لتأسيس دولة الصهاينة على أرض فلسطين فيما بعد.
وتطرقت نصيرات الى المراحل التي مرت بها حركة الاستعمار الاستيطاني، مشيرة إلى أهم المستعمرات الصهيونية التي نشأت على أرض فلسطين، وكذلك الأحياء اليهودية التي نشأت بمساعدة الجمعيات الصهيونية في أوروبا، وأهم الأجهزة والأدوات والمؤسسات والجمعيات التي أُسِّست بهدف دعم عملية الاستعمار الصهيوني لفلسطين، والتي بدأت نشاطها أثناء فترة حكم عبدالحميد الثاني، مبينة ملامح شخصية عبد الحميد الثاني التي تميزت بالذكاء والحنكة السياسية، لما في ذلك من أهمية في توضيح الدور الذي لعبه تجاه الحركة الصهيونية لاحقاً.
تقول الباحثة: «ومن المستغرب ان الدولة العثمانية اعترفت بوجود المستعمرات التي تأسست قبل إعلان المنع، وهو ما سمح للبارون روتشيلد بتسجيل الأراضي التي اشتراها باسمه وسمحت لليهود بشراء الأراضي في كل أنحاء سورية. ومن المستعمرات التي أسست في تلك الفترة: بيئر طوفيا (1886) ورحبوت (1890) وعرتوف (1895) والخضيرة (1890) ومتولا (1895) وجاء تأسيسها إثر تمرد قام به سكان المنطقة ضد الدولة العثمانية عند استعداد روتشيلد لشراء أراضيهم، فوافقت السلطات المحلية على ذلك وأجبرت الأهالي على الرحيل وطردتهم من أراضيهم بعد أن أعطتهم تعويضات رمزية وأسكنت مستوطنين يهوداً مكانهم…».
وما إن حل عام 1897 حتى كانت هناك 19 مستعمرة غطت مساحة 45 ألف دونم وضمت 4350 نسمة إضافة الى أرض غير مستعمرة لليهود 10000 دونم غرب نهر الأردن و20000 دونم شرق الأردن، كما وصل عدد اليهود إلى 45 ألفاً يعيشون في تسع قرى (28 ألفاً في القدس وحدها) ومع نهاية القرن التاسع عشر كان عدد اليهود حوالى 50 ألفاً.
التاريخ: الثلاثاء22-10-2019
رقم العدد : 970