الملحق الثقافي:سلام الفاضل:
يتم تناول النقد الأدبي عادة عبر مدخلين: أولهما، تاريخي يتبع مفهومه عبر العصور. وثانيهما، آني ينظر في طبيعة هذه الفعالية من وجهة نظر العصر الحالي. ومع هذا وذاك يبقى النقد الأدبي محكوماً بالإنشاء الأدبي الذي يدور حول محور أساسي هو الإنسان.
يقول ميخائيل نعيمة وهو يقدم مجموعة الرابطة القلمية: «أجل إننا في كل ما نفعل وكل ما نقول وكل ما نكتب إنما نفتش عن أنفسنا. فإن فتشنا عن الله فلنجد أنفسنا في الله، وإن سعينا وراء الجمال فإنما نسعى وراء أنفسنا في الجمال». ومعنى هذا أن النقد إذا كان وثيق الصلة بالأدب، هو بمعنى ما إنشاء إنساني اجتماعي أيضاً، لأنه نشاط لغوي يُمارس ضمن بنى اجتماعية مختلفة، وليس مجرد شيء أو موضوع، فالنقد يقوم بوظيفة تماثل وظيفة الغربلة التي تقوم بها الطبيعة.
والمتتبع لتطور حركة النقد العربي القديم لا يمكنه التغافل عن دور المؤثرات الفلسفية في تطور هذا النقد الذي يجوز لمن رغب في التبسيط الشديد أن يتحدث عن درجات ثلاث للأهمية يمكن أن تُعزى للمؤثرات الفلسفية في تطور حركة هذا النقد، وهي: الأهمية المعدومة، والأهمية المطلقة، والأهمية النسبية المشروطة بجملة من العوامل.
وانطلاقاً من كل ما سبق تأتي أهمية كتاب (القضايا النقدية في رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء)، تأليف: آلاء ياسين دياب، والصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب.
هدف الدراسة
يبدأ هذا الكتاب بمقدمة تعرض عبرها مؤلفته الهدف الذي تسعى هذه الدراسة إلى بلوغه وهو دراسة صورة من صور التطور النقدي العربي القديم في ضوء التطورات الفكرية الكبرى التي طبعت العصر بطابعها، وبذلك تتضح أبرز التيارات الفلسفية التي كانت حاضرة في حركة النقد العربي؛ لأن ذلك يساعد على وضع التطورات النقدية العربية القديمة في إطارها الفكري المناسب، ويساهم في الوصول إلى صورة النقد العربي في تفاعله مع الفلسفة الإسلامية – العربية، ما حققه وما يجب أن يحققه.
وتأتي أهميته في كونه يحاول أن يثبت أن واقع النقد والفلسفة ليس سوى جزء من واقع الفكر والثقافة عامة. وأن النظر إلى النقد من الزاوية الفلسفية المقترحة يتضمن تأملاً في البعد الفكري العربي ككل. وقد تم اختيار (إخوان الصفاء) كموضوع للدراسة فيه كونهم يشكلون نموذجاً مميزاً في سياق التفاعل النقدي – الفلسفي العربي القديم، ففي رسائلهم نجد التوازن الفلسفي والاعتدال الفكري في الجمع بين الإخلاص للعقل، والإعلاء من قدر العلم بأسلوب وثيق الصلة بمعطيات الواقع. كما وتنعكس في رسائلهم كذلك الكثير من التجارب الأخرى، وتتكرر محطات ومواقف ورؤى، وتُقدم على نحو عميق من الوعي كل ما توصلت إليه الثقافة العربية حتى عصرهم.
آثارهم
قُسم هذا الكتاب تقسيماً غير متوازٍ للمباحث، واستُهل بمدخل نظري يلقي الضوء على طبيعة العلاقة بين النقد والفلسفة والأدب بهدف استبطان مدى عمق هذه العلاقة، ويبحث في التأثيرات، والبعد عن الفصل بين النقد والفلسفة والأدب بوصفها أطراً فكرية مستقلة، أو اتجاهات معرفية منعزلة.
ولما كانت طبيعة الدراسة تفرض وجود جانبين الأول تاريخي، والثاني نقدي، فقد شكّل الفصل الأول المقاربة الأولية التي تُدخل القارئ في التصور العام للموضوع. فتضمن هذا الفصل التعريف بإخوان الصفاء وخلان الوفاء وآثارهم، وقدم كشفاً عن تصور إخوان الصفاء النقدي وذلك عبر اتباع خطاهم في عصرهم ومصادرهم، واستعاد كل ما كُتب عنهم بعيداً عن التوظيف السياسي الذي ميّز كثيراً من محاولات استلهام التراث العربي القديم، كما حاول الرد على ما شاب تاريخ هذه الجماعة من خلافات وتناقضات من خلال الإضاءة على إنسانية مذهبهم واعتدال معتقدهم.
القضايا النقدية
حاول الفصل الثاني في هذا الكتاب تقديم تصور عن النقد عند إخوان الصفاء رغبةً في بناء رؤية نظرية مستمدة من الرسائل، لإنجاز تصور منهجي تأويلي للتصور النقدي عند إخوان الصفاء. وعليه فقد اتسع الفصل الثاني إلى قضايا نقدية عدة، أولها التلقي، وثانيها مهمة الشعر، وثالثها الصدق والكذب في الشعر، ورابعها المحاكاة ونشأة الشعر، وخامسها النزعة العقلية في الشعر، وسادسها الخيال في الشعر، وسابعها الوزن، وثامنها صناعة الشعر، وتاسعها الشعر بين السحر والعلم، وعاشرها ملكة الشعر. ليُختم هذا الكتاب بخاتمة تتعلق بما تقدمها، وتعتمد على التكثيف في المقدمات لاستدعاء النتائج، بغية استكمال التصور العام الذي يهدف هذا الكتاب إلى تقديمه.
التاريخ: الثلاثاء22-10-2019
رقم العدد : 970