الملحق الثقافي:سلام الفاضل:
هي الحياة التي تضعنا أحياناً في مواجهة خيارات عدة، وتجبرنا طوعاً، أو كرهاً على انتقاء أحدها، ليغدو هذا الخيار فيما بعد طريقاً نسلكه، وقراراً نتحمل عواقب اتخاذنا له؛ سواءً أكانت هذه العواقب تتماشى وخطة حياتنا في المرحلة اللاحقة لاتخاذ هذا القرار، أم لا.
ورواية «طقس بارد»، تأليف: أنطون ميخايلوف، وترجمة: علي أحمد ناصر، الصادرة ضمن «المشروع الوطني للترجمة» عن الهيئة العامة السورية للكتاب، يمكن أن تندرج تحت بند الندم الذي قد يصيب الإنسان على قرار اتخذه في مرحلة الطيش واللاوعي التي تنتاب بعض الناس أحياناً في مرحلة اليفاعة، والشباب، فتدفعهم إلى الاستهانة بالظروف المحيطة بهم، والاندفاع الطائش إلى تفضيل حياة اللهو والمجون على حياة الأسرة، وما قد تحمله هذه الحياة من واجبات، ومسؤوليات تُفرض على الإنسان تجاه الأطفال والعائلة.
يبدأ المؤلف سرد قصته بالشخصية المحورية لهذه الرواية (فراتف) وهو عامل بسيط متزوج من طباخة تدعى (ماريا)، يعيش وإياها في إحدى البراكات التي تتمركز حول خط التلفريك في إحدى المناطق العمالية.
وعبر تقنية «الفلاش باك» يعود بنا المؤلف إلى بدايات حياة هذا العامل المدعو (فراتف)، فيقص علينا تنقلاته بين مناطق عمالية عدة، وزيجاته التي بلغت ثلاث زيجات، وكيف أن مداومته على حياة اللهو والمجون، وانغماسه الشديد في التردد على الحانات، قد كانا السبب وراء فشل زواجه الأول، ومغادرته زوجته وهي ما تزال في أشهر حملها الأولى. وأن خيانة زوجته الثانية له قد كان الدافع الرئيسي لفشل زواجه الثاني، إلى حين لقائه بزوجته (ماريا) التي كان لها إسهام كبير في ضبط حياة هذا اللاهي، وضبط مصاريفه.
يعود بنا المؤلف لاحقاً إلى زمن القصة الحاضر، وفي أجواء ثلجية باردة، يأخذنا بصحبة (فراتف) إلى حانة القرية التي يمتلكها (كاتسا) صديق (فراتف) الذي اعتاد التردد على حانته بين الفينة والأخرى حتى حفظ تفاصيلها، وشخوص اللوحة الموضوعة في إحدى زواياها عن ظهر قلب.
كانت الحانة كما اعتاد (فراتف) أن يراها، لا جديد فيها سوى تلك النادلة الشابة (فيلا) التي جاءت كي تسجل طلباته، والتي أصابته بالدهشة إثر أول لقاء جمعهما، ليس لفرط جمالها فحسب، بل كونها تقارب في ملامحها، وطريقة سيرها، صورة وجهه، وأسلوبه. تدافعت الصور إلى ذاكرة (فراتف) فرادى، وجماعات بعد أن أخبرته الشابة (فيلا) أنها كانت تبحث فيما مضى عن والدها السكير الذي هجر أمها وهي ما تزال في أشهر حملها الأولى، بيد أنها اليوم قد عدلت عن ذلك، وهي تحضر الآن لزواجها من أحد السائقين.
تذكر (فراتف) زوجته الأولى التي كان قد نسيها، ونسي حملها، ولم يكترث يوماً لجنس مولودها، إلى حين لقائه بالشابة (فيلا) التي أعادت إليه كل هذه الذكريات. شعور قارص بالندم سرى في أوصاله، فأراد أن يعوض صغيرته (فيلا) عن هجرانه لها، وعدم اهتمامه يوماً بها أو بوالدتها، عبر هدية صغيرة يقدمها للشابة في يوم زفافها.
عاد (فراتف) إلى براكته في أحد الأيام كالمجنون، كان قد قرر أن يشتري «ماكينة خياطة» كهدية زفاف لابنته التي آثر ألا يخبرها عن صلة القربى التي تجمع بينهما. في هذه الآونة كانت زوجته (ماريا) قد أودعت المال كاملاً في المصرف، فلم يجد (فراتف) أمامه سوى تلك الليرة الذهبية التي بقيت لزوجته من زواجها الأول.
سرق (فراتف) ليرة زوجته الذهبية، وهرع مسرعاً لملاقاة العروسين على الطريق بعد عودتهما من عقد القران. مرت (فيلا) مع زوجها الجديد بسيارتهما المسرعة بجانب والدها الذي كان يتحرق شوقاً للقياها، ومنحها الليرة الذهبية كهدية زفاف، مرت (فيلا) مسرعة دون أن تمنحه نظرة واحدة، أو تكترث حتى لوجود هذا الكهل الذي كان يلوح وسط الثلج المنهمر، والأجواء الصقيعية الباردة لسيارة العروسين.
أحس (فراتف) بعد أن أكملت السيارة طريقها بألم شديد في راحة كفه اليمنى، فتح قبضته، كانت القطعة الذهبية مطوية طبقتين في كفه المتعرقة.
«غضب (فراتف) لأجل حياته الخاوية والمحطمة، فرمى القطعة الذهبية في خندق مجاور للطريق وهام على وجهه إلى مكان ما، محطماً مما حصل له، زفر بحزن وتوجه عبر السفح الموحل نحو سكوبيلوفو يشعر بعطش قاتل إلى النبيذ».
التاريخ: الثلاثاء5-11-2019
رقم العدد : 972