لا أظن أن أحداً يقرأ ويتابع الشعر، يوم كان شعراً، إلا وقرأ يوميات امرأة لا مبالية لنزار قباني، وتركت ربما أثراً مختلفاً عنده فهي من سحر البيان، وكم في حيواتنا من أمور كبيرة تجري ولا يبالي بها أحد ما، تمضي كأنه على موعد مع الغياب، لكنها تترك الجرح والأثر، تتراكم لتكون جبلاً، أو نهراً، وربما أبعد من ذلك بكثير، ترى ماذا لو أن نزار التقط يومياتنا، أو بعضاً منها، وجعلها في كتاب بيانه السحري؟
من أين يبدأ، وكيف، هل ستكون قصائد في مجموعات أنيقة كما هي منشوراته، بأي حبر ولون ستدوّن؟ ولمن سيتوجّه بها إلى امرأة ما، إلى من يهمه الأمر، أسئلة كثيرة تلح على البال، ولكن أكثرها وطأة: كيف يمكن أن يبدأ، أمن صباحاتنا الباردة التي لا تعرف كيف تبدأ خطواتها، أمن أب يقف حائراً أمام ما يلبه أبناؤه، هات مئة، مئتين، ماذا عليه أن يفعل أمام قائمة متطلبات كبرى، ليست عابرة، وهي أبسط حاجات البيت والأسرة؟
هل يقول لزوجته: عاجز عن تلبية أي طلب لكم، بالكاد أصل عملي محشوراً بباص يتثاءب، وسائق لا يعيد لك ما تبقى من المئة أو المئتين، والحجة جاهزة: لا توجد فراطة، ليتني كنت هذا السائق، فالغلة وفيرة خلال ساعات يصل المبلغ إلى الآلاف.
هل يبدأ من ارتفاع الأسعار المجنون والصمت القاتل لكل الجهات المعنية، فقط يطلون خلبياً ويتحفنا بعضهم ببضع كلمات: الارتفاع وهمي، وكل شيء موجود وموفور، نعم كل شيء موجود، حتى لبن العصفور، إن أردته فهو لك، لك أنت كثري، لا يعرف كم في حسابه البنكي، لرجال مال، وتجار، ومن في القائمة منهم، هؤلاء لهم ما لذّ وطاب، ولا ينقصهم شيء، هم بخير وصحة وعافية، وهذا المطلوب.
أما أنت فعليك أن تموت ألف مرة لتحظى بما أسموه حصتك من مازوت التدفئة الشتائي، تسأل جارك: هل عبأت؟ نعم من يومين فعلت، ومتى سجلت، من يومين أيضاً، تسأل نفسك: مضى على تسجيلك عبر البطاقة العبقرية شهر، ولم يكلف أحد ما نفسه مجرد إخبارك بدورك، بينما جارك الثري لُبي طلبه على الفور؟
هل تقرأ له معلقة نزار قباني (في عصر زيت الكاز ..) وإذا ما فعلت، هل تحل مشكلتك، بل أكثر من ذلك: هل يصلح زيت الكاز للطهي وقلي البطاطا؟ مع فورة الأسعار التي لا أحد يدري إلى أين تمضي، وماذا تفعل الحكومة تجاهها، أخذوا الدولار منا من رصيدنا، وباسمنا استوردوا، وكدسوا، وأثروا من دمنا، وما من جهة ما سألتهم ماذا فعلتم؟ هل نمضي أكثر في تفاصيل الإرهاق وأنت أول الشهر تجهد للعثور على صراف يعمل، ويأتيك من يقول: الموظف يسحب راتبه كله؟
هل تقص عليهم جنون أصحاب مهن الإصلاح، إصلاح كل شيء، ولاسيما السيارات، وقطع التبديل التي لا تكاد تخرج من المكان حتى تتعطل، ماذا تروي من تفاصيل يوميات الحزن والتعب، واللا جدوى، بل لمن ترويها، وهي لا تهم أحداً ممن يعنيه (يفترض أنه يعنيه ) الكل في حل منك، وأنت في حل من كل ما قلت، فهو لغو بلغو.
ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 8-11-2019
الرقم: 17118