اختصر بين تفاصيله عوالم مأساة، كانت على مساحة الوجع ومساحات الجراح النازفة، عوالم كانت تشابه الخسارة والفقد وكل الآلام المحتملة في عالم يخالطه الموت في كل جانب، وتكثر فيه كل معالم الرعب من قتل وخطف وتعذيب ومعاناة، لكن هناك من يرفض الاستسلام، وهناك من يقول لا ليتحدى .. إنه السوري النموذج الأكثر قوة في قدرته على مجابهة الصعوبات.
كل ذلك تجلى بوضوح عبر مواقف متناقضة ورؤيا وعلاقات فيلم لفت الأنظار وسط منافسات فنية عالية المستوى في المهرجانات، حيث المأساة جنباً إلى جنب مع التمسك بمستقبل يغلب الجراح ويتناسها، كما حملت تلك العوالم التناقض، تشابهت مع الأخوين بطلي الفيلم اللذين جسدا كافة صراعات الحياة، من هنا استطاع فيلم (نجمة الصبح) إخراج جود سعيد أن يصوغ معادلته الدرامية والفنية بجدراة وجرأة، شابهت الحياة بغناها وأبعاد وقائعها في ظل حرب مقيتة، في الوقت نفسه الذي تمكنت فيه عوالم الفيلم من أن تتجاوز الواقع نحو أمل الذي لم يغب يوماً من حياة السوريين رغم كل ما حصل، وكان حاضراً دائماً يعين مساعيهم، ويقف الى جانبهم رغم المصائب، التي حطت عنوة على عالمهم التواق للحياة، من جراء حرب بشعة، صادرت كل الأشياء الجميلة وكل الفرح من حياتهم وأي إحساس بالأمان، لكنهم السوريون كما هم دائماً، إنهم الأقوى، وخاصة أن الفيلم استلهم جميع تفاصيله وأحداثه من الوقع فجذب جمهوره بامتياز، ليمنحه التأنيت الذهبي من مهرجان قرطاج السينمائي بدورته الأخيرة في تونس، فتلك الجائزة لم تأت من فراغ، وإنما جاذبيته التي استندت على واقع رآه الفنان جود سعيد ملهماً ومصدراً، عمل عليه وتحدث عنه دائماً، فهو مبدع يرى السينما بأنها إعادة إنتاج الواقع بشكل مختلف، وكما هو مشتهى.
فيلم (نجمة الصبح) جمل بين تفاصيله فسحة من الأمل، تجلت بتلك السخرية السوداء التي برزت وأظهرت مقدرة الإنسان السوري بالاستعلاء على واقعه القاسي والتغلب على صعوباته مهما كانت. وأظهر الفيلم قدرته على خلق عالم جديد يحمل الابتسامة في أصعب الأوقات وأقساها.. وإن ركز على مسألة الخطف تلك الظاهرة التي شكلت رعباً في حياة السوريين أثناء الأزمة، فجسد الخراب الحقيقي، وكان الوجه الآخر لدمار إنساني، بما حمله من عنف وقسوة واستلاب إنساني، كما ركز على وضع المرأة السورية بشكل خاص ومعاناتها من الإرهاب الأسود والوجع والعذاب التي عاشت تحت نيران واقع قاسٍ، مثلها مثل أبناء مجتمعها كله.
يقوم ببطولة الفيلم مجموعة من الفنانين منهم: محمد الأحمد، حسين عباس، لجين اسماعيل، نسرين فندي، سارة صدقي وناديا صدقي، سيناريو جود سعيد وسماح الفتال، إنتاج المؤسسة العامة للسينما.
آنا عزيز الخضر
التاريخ: الاثنين 18-11-2019
الرقم: 17125