عندما تقرأ له.. ينتابك شعور بالدفء, ممزوج بالحب والرقي والإنسانية, هو من الادباء الذين حملوا الهمّ الثقافي, وتركوا بصمة جميلة على دروب الأدب وصفحاته… صدر له أكثر ما يزيد عن عشرين عملا في الشعر والقصة والنصوص.. ومايزال يقدم ويعطي, فهو المؤمن بأن الثقافة هي التي تنهض بالشعوب.
إنه الأديب بديع صقور ابن البحر الذي عاش طفولته وسط الطبقة الفلاحية البسيطة لينطلق إلى عالم الشعر ويعالج الواقع المر الذي يعيشه الفقراء, فكتب للإنسان وللوطن والمرأة.
في إصداره الجديد الذي صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب بعنوان «زهرة الريح.. وتبقى الجبال» يقدم صقور نصوصاً امتزجت بها النواحي الإنسانية والاجتماعية لتبدو كضوء منبعث من الذات المملوءة بالعمق والنضج والتجربة ففي قصيدة (وردة في كف روحي) يقول:
كلما كبرت, ازداد تفتح زهرة الحزن في كفّ روحي
المجرة بعيدة, تستحم بنهرها النجوم
والسماء أعلى من سقف زهرة.. استوطنها بهاء الشمس
وبصوته المبحوح, ومداده الغني كتب قصيدته (رشفة حزن) معتمداً على تقنيات تعبيرية خاصة به, عبر السرد الجميل, والتكثيف والتركيز في المعاني كقوله:
لحظة العمر الأخيرة وتنطفئ المصابيح
في حضرة صمتك أفتح نوافذ غربتي
أتوسل إلى السماء أن تفتح لك طريقاً أبيض في الحياة
الطرق مغلقة, ولحظات التوسل تنقضي وتتلاشى
في حضرة الموت.. الأيام لن تتوقف.. مشينا القليل منها
كم سنمشي معهم بعد ذلك ؟!
ولاتخلو المجموعة من الحديث عن الوطن, فحين يكتب صقور للشام.. تأتي لحظة البوح النابعة من القلب لتملأ الصفحات بمفردات الحنين والحب والذكريات ففي (بوابة الشمس) يتلو:
في بحار عينيك مرافئ عشق ومواويل دفء
سرب حمام.. وصداح طير
ياسمين وزنابق صبح وعلى كتف قاسيون
مرّ الغريب كريح صيف
هذه الشام وردة الخد وعبق الزهور..
هذه الغيمة بعيدة, ولامطر فوق قاسيون
السماء صافية كعين زهرة الريح..
القمر يضيء طريق الشام
افتح صدرك..
هذا الياسمين يوشك أن يمطرك بالعطر
هذه الليلة نمّ على سرير زهرة
وفي قصيدة (في برد الحروب) نجد الشاعر يمتلك تراكماً روحياً ومعرفياً, فهو الذي عاش سني الحرب الظالمة على سورية, وزرف الدموع كباقي أخوته السوريين على وطن تعرض للخراب وهو الذي حضن العالم بأسره تحت جناحيه الدافئتين.
زنابق أرواحنا في برد الحروب.. تذوي
في برد الحروب تتشقق جدران أكواخنا
وفوق عتباتها ترفرف رايات السواد
في برد الحروب من لديهم معاطف تدرأ عنهم البرد.. ستصير أكفاناً لهم.
هكذا رياح الحرب تقتلع كل شيء جميل
هكذا في تيه الحروب نضيّع بوصلة الحق إلى الحياة
فيموت الهديل ويعرى القمر
عارياً يموت القمر.. وبلا كفن نواريه ثرى السماء
وبلغة معبّرة مشحونة بالحزن, صاغ صقور نصوصه التي عبّرت عن مكنوناته النفسية, فجاءت روحانية شعره غريبة البناء والتركيب لافتة ومنسجمة, لدرجة أننا حين نقرأ نتوصل إلى فهم بنيته ومضامينه ومُثيرات المشاعر ومواطن الألم ففي قصيدة (نحيب – وسفر سراب) نقرأ:
ينتحب المطر.. يا خجلي عندما تيبس غابة روحي
أين سيتنزه الشهداء حين يخرجون من قبورهم
لحظة يطلع القمر
لاتنتظر رجوعه.. لاتنتظري رجوعه..
أين قتلو ؟ أين دفنوا ؟
لاتسأل لاتسألي.. الأسئلة سراب
في لظى الحرب لاتنتظر رجوع أحد
لاتنتظري رجوعهم
يذكر أن الشاعر بديع صقور من مواليد اللاذقية وهو عضو المكتب التنفيذي باتحاد الكتاب العرب ورئيس تحرير مجلة الآداب العالمية له مؤلفات عديدة منها: في القصة «مرفأ طائر الظهيرة» وفي الشعر «الدفتر البري لأعشاب البحر» وغيرها الكثير.
ammaralnameh@hotmail.com
عمار النعمة
التاريخ: الاثنين 25-11-2019
الرقم: 17130