الملحق الثقافي:عبد المعين محمد زيتون :
يحتفل محبو الأسطورة فيروز هذه الأيام بعيد ميلادها، ولم تزل تتردد في أسماعنا أغنيتها الشهيرة (ريما)، وكم ربتت أمهاتنا على أكتافنا وهززن أجسادنا ونحن في جنان أحضانهن، كي ننام، وأعدنا الحركات والأغنية نفسها كي ينام أطفالنا فيما بعد.
والنوم، حاجة الكائنات إلى الراحة، وتجدد النشاط، بعد عناء، حاجة ينتظرها الجسد والعقل معاً، كي يستريحا بعض الوقت من التعب والإرهاق. ولعل أخطر أعداء النوم، الخوف من المجهول، أو من خطر محدق، أو من ثروة مفاجئة هبطت على أحد ما، أو من خيانة صادمة ارتكبها من نثق به، أو من حزن شديد ناجم عن فقد أحد الأحبة، أو من الأدوية المنبهة، أو تلك الحالات المتعددة للانتظار البائس، اليائس الذي يدغدغ النفس ويمنيها، كأحلام اليقظة الطويلة، وكم باتت أحلامنا متعددة ومتنوعة، ولاحصر لها.
الكائنات، يصيبها الأرق أيضاً، وقد أثبتت دراسات أجريت على أنواع من الأشجار المثمرة أنها أصيبت في اضطرابات في النمو والإثمار بعد فقد أصحابها، كما في حالات أشجار الزيتون والنخيل والتوت. وبداية النوم الوسن، ثم ما يلبث الوسن أن يصير نعاساً، ثم نوماً، ثم كرى (بفتح الكاف)، لأن ضمها يأخذنا من النوم المؤقت، إلى النوم الطويل والموت في القبور. ومن النوم، هذه المفردة الشائعة في لغتنا، جاء (أبو النوم)، وهو مصطلح لأنواع من النباتات المخدرة، كالخشخاش.. وغيره. وينتشر النوم في رواياتنا، وفي أساطيرنا، وكان أكثر الأبطال نوماً (السندباد)، بعد أن تحقق له حلمه، وامتلك جزيرة مترامية الأطراف، وشرلوك هولمز، في الأدب العالمي، الذي كان يستغرق طويلاً في النوم بعد تفكير عميق في فك عقدة الجاني والضحية.
أما أقل الأبطال نوماً، امرؤ القيس الذي جاب الوديان والفيافي دون كلل أو ملل، وجيفارا ذلك المقاوم العنيد وسط أشواك الغابات الشرسة في أمريكا الجنوبية. وأما البطلة التاريخية في حياتي (أمي)، التي لم تكن لتذوق طعم النوم، إذا مرضت، أو مرض أحد إخوتي، وقد كانت كل الأمهات ولم تزل، الأبطال الكبار الذي لم يتحدث التاريخ عن بطولاتهن ومعاركهن التي لم يستخدمن فيها غير سلاح الحنان، حتى بعد أن كبر أبناؤهن، ولقد كان القلق يهاجمهم، ويقلق راحتهم حتى ننعم نحن الأبناء بالنوم.
وأخطر أعداء النوم الإحساس بالذنب، أو الهجوع إلى الأماكن غير المألوفة في الغابات والجبال، أو حتى في الفنادق على فراش وثير، أو في الخنادق أو على سطوح السفن، ولدى سماع أصوات وصراخ الملتاع، وأصوات الذئاب، ضجيج الموسيقى الحديثة، وأوار العقل إذا اشتعل إبداعاً، وطنين البعوض والذباب، والهمس القريب الغامض في الظلام، وسطوة التوقعات وانتظار نتائج الامتحانات والاختبارات، أو الموافقة على العرائس والعرسان، أو الكوابيس التي تلقي بأصحابها في وديان سحيقة في عز النوم، أو فقد الأحبة، أو زيارة غير متوقعة وبلا موعد، (يقترفها) صديق هاجمه القلق.
غير أن النوم سيظل الرفيق والسلوان الأكثر دفئاً في أيامنا هذه، بالنظر لما يعتور حياتنا، من هجوم الأخبار غير السارة، ومداهمة العواصف والأمطار والسيول، وبرامج الفضائيات العربية التي تزكي نيران الفتنة والفرقة والحرب بين الأشقاء والأهل. سيظل النوم إذاً، ذلك الصديق الذي يعفيك من سيل شعر وشعراء هذه الأيام أيضاً، ونصوصهم الضحلة، فهو الذي يأخذك بأمان كي يرتاح جسدك وعقلك من كل الإرهاقات التي أصبت بها خلال يومك المتعب.
التاريخ: الثلاثاء26-11-2019
رقم العدد : 975