الاتجاه شرقاً

 

 

من السذاجة اعتبار ما يسمى بـ (الثورة) أو (الحراك) أو (الانتفاضة) أنها وليدة لحظتها بعد أن ضاق اللبنانيون ذرعاً بالطبقة السياسية التي توحشت في نهب خيرات البلاد والعباد منذ العام 1992 بعد أن تحول الاقتصاد بفعل فاعل من اقتصاد إنتاجي إلى حد ما إلى اقتصاد ريعي يعتمد على استيراد أكثر من 90% من احتياجاته من الخارج، وأصبحت الوظيفة الحكومية تنفيعة لهذا السياسي أو ذاك حسب التصنيف الطائفي الذي يتفرد فيه لبنان.
يقول البعض إن الحراك تأخر كثيراً لأن اللبنانيين يعرفون منذ زمن بعيد أنهم سيصلون إلى حافة الهاوية، لكن العارفين ببواطن الأمور يدركون أن الدول التي حركت الناس فجأة لأسباب واهية كان من الممكن أن تمر كضريبة الواتس اب كما مرَّ غيرها كانت ترقع الاقتصاد اللبناني عبر قروض مرتفعة الفوائد حتى تعدى الدين الخارجي والداخلي الـ 100 مليار دولار وأصبح لبنان رهينة للبنك الدولي والدول الدائنة والمصرف المركزي وبقية المصارف التي يملكها السياسيون. وهؤلاء الذين يعتبرون أن الحراك كان فجائياً يخشون أن تركب الدول الخارجية وخصوصاً أميركا هذه الموجات وتحرفها عن مسارها المطلبي إلى مسار سياسي، هذا التخوف ساذج في قراءة الأحداث وتطورها التصاعدي، لأن الحراك وفي هذا التوقيت بالذات مخطط له بكل أدواته وتفاصيله وتقوده عبر غرف سوداء متخصصة لها أدواتها في المجتمع المدني الثائر الذي لا يعرف بعد من يقوده إلى الدمار أو إلى الحرب الأهلية، وكل الهدف من ذلك هو تجهيز بيئة لبنانية معادية للمقاومة ولحزب الله وحلفائه ومنهم رئاسة الجمهورية.
وقد ظهر هذا واضحاً من تصريحات فيلتمان الخبير بالشؤون اللبنانية، وبعده من تصريحات وزير خارجية أميركا بومبيو الذي طالب اللبنانيين بتحجيم حزب الله ونزع سلاحه وإبعاده عن العملية السياسية حتى تتمكن أي حكومة جديدة من الاتفاق مع أميركا و (إسرائيل) على ترسيم الحدود البرية والبحرية والاستيلاء على ثروته الغازية والنفطية (المفترضة)، وإلا فإن العقوبات الصارمة والفوضى العارمة وحتى المجاعة ستكون بانتظار اللبنانيين.
إن أميركا وأتباعها الأوربيين والعربان الذين ذاقوا الهزيمة في سورية، ما زالوا يتعاملون مع الدول الصغيرة وكأنهم يتعاملون مع دمى، ولذلك فهم يراهنون على حركة الشارع لشل البلد وتركيعه مالياً وتضييق الخناق عليه دون أن يحسبوا حساباً إلى أن المعادلات الدولية تغيرت بل انقلبت رأساً على عقب ولم تعد أميركا القطب الأوحد الذي يتحكم بالعالم.
ومن هنا نفهم الهستيريا التي أصابت ترامب بعد أن أعلنت الدولتان العظميان أنهما مستعدتان للحلول مكان الأميركيين في دولة تهدد الكيان الإسرائيلي خصوصاً بعد أن أعلنت فرنسا أنها لن تسمح بتدمير لبنان معتبرة أن الحلف الأطلسي (ميت دماغياً) وليس مستبعداً أن تحذو حذوه دول أخرى جراء سياسة ترامب الرعناء، الذي يريد أن يدير العالم كما يدير شركاته.
كما نفهم الإشارة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله بأن الخيارات متاحة نحو الصين أو روسيا دون الإشارة إلى إيران طبعاً بحكم العداء المستحكم لدى مكونات لبنانية تبعاً لمواقف خليجية معروفة.
إن أي حل مهما كان مقبولاً على مستوى الطاقم السياسي المتمسك بمفاصل السلطة والمال لن يكون نهائياً بل مؤقتاً لتمرير مرحلة ما، لذلك فإن القوى التي تريد أن تتعايش بسلام وتبني دولة منتجة عليها أن تنتهز فرصة الحراك في الشارع وتقلب الطاولة على الجميع.
وإن غداً لناظره قريب….

 

د. عبد الحميد دشتي
التاريخ: الثلاثاء 10 – 12-2019
رقم العدد : 17142

 

آخر الأخبار
لجنة التحقيق في أحداث الساحل تباشر عملها بمحاكمات علنية أمام الجمهور ٥٠ منشأة صناعية جديدة ستدخل طور الإنتاج قريباً في حمص الإعلام على رأس أولويات لقاء الوزير مصطفى والسفير القضاة وزير الإدارة المحلية والبيئة يوجه بإعادة دراسة تعرفة خطوط النقل الداخلي سجن سري في حمص يعكس حجم الإجرام في عهد الأسد المخلوع ميشيل أوباما: الأميركيون ليسوا مستعدين لأن تحكمهم امرأة لجنة السويداء تكسر الصمت: التحقيقات كانت حيادية دون ضغوط الضرب بيد من حديد.. "داعش" القوى المزعزعة للاستقرار السوري من الفيتو إلى الإعمار.. كيف تغيّرت مقاربة الصين تجاه دمشق؟ انفتاح على الشرق.. ماذا تعني أول زيارة رس... تفعيل المخابر والمكتبات المدرسية.. ركيزة لتعليم عصري 2.5 مليار يورو لدعم سوريا.. أوروبا تتحرك في أول مؤتمر داخل دمشق مغترب يستثمر 15 مليون دولار لتأهيل جيل جديد من الفنيين بعد زيارة الشيباني.. ماذا يعني انفتاح بريطانيا الكامل على سوريا؟ فيدان: ننتظر تقدّم محادثات دمشق و"قسد" ونستعد لاجتماع ثلاثي مع واشنطن وفود روسية وتركية وأميركية إلى دمشق لمناقشة ملف الساحل وقانون "قيصر" رغم نقص التمويل.. الأمم المتحدة تؤكد مواصلة جهود الاستجابة الإنسانية بسوريا بين "داعش" و"قسد" وإسرائيل.. الملفات الأمنية ترسم ملامح المرحلة المقبلة المنطقة الصحية الأولى بجبلة.. نحو 70 ألف خدمة في تشرين الأول تفجير المزة.. هل حان وقت حصر السلاح بيد الدولة؟ عودة محطة بانياس.. دفعة قوية للكهرباء واستقرار الشبكة