تعتبر مهنة التمريض ذات طبيعة عمل مضنية وحساسة، إضافة إلى أن كوادرها لا يعيشون الحياة العادية كأي موظف أو عامل في المؤسسات الأخرى، فهم يحرمون من عطل الأعياد ومن أجمل لحظات حياتهم بعيدا عن أسرهم ليمنحوا المرضى الرعاية الطبية، ومهنتهم الإنسانية تجعلهم لا يجدون مفرا من الابتعاد عنها، رغم الظروف والمطالب الملحة التي يتمنون من المعنيين في وزاراتهم تحقيقها ، والتي بدورنا نسلط الضوء على جزء منها من خلال بعض مشافي التعليم العالي.
طموحات علمية وإدارية
كما هو معروف تنتهي مهنة الطبيب عند تشخيص المرض وتحديد العلاج بينما رحلة المتابعة على مدار الساعة والأيام تقع على الكادر التمريضي. يبين سام شو حكر مدير التمريض بمشفى الأسد الجامعي بدمشق حجم الجهود التي بذلها الكادر التمريضي في مشافي التعليم العالي ضمن ظروف الحرب التي مررنا بها، فقد كانوا الجنود المجهولين والسند الداعم للجيش العربي السوري بتضميد الجراح ومعالجة الإصابات وتخفيف معاناة المرضى ، مشيرا إلى الواقع المهني الصعب الذي يعيشه هؤلاء حاليا ومعاناتهم في موضوع الرواتب التي لا تتناسب مع الجهود الكبيرة التي يقدمونها، فهم يعاملون بصفة موظف في حين طبيعة عملهم تختلف عن الأعمال الأخرى، من حيث تعاملهم المباشر مع المرضى على اختلاف أوضاعهم الصحية والمرضية وقد يتعرضون لأمراض منقولة أو معدية ولأخطار الأشعة والأدوية ونقل الدم التي تهدد حياتهم.
وأوضح مدير التمريض حاجة هؤلاء إلى التعويضات والمكافآت التي تتناسب مع خدماتهم بما يضمن حقوقهم ولا يجعلهم يشعرون بالظلم، أسوة بالاختصاصات الأخرى مثل التخدير والمعالجة الفيزيائية الذين كانوا سباقين بالحصول على ذلك. مشيرا إلى طموحات علمية وإدارية منها ما يتعلق بالماجستيرات بعد أن أصبح لدينا قفزة نوعية في موضوع الاختصاصات في الدراسات العليا من ماجستيرات ودكتوراه وبكالوريوس. لكي توظف بشكل فعلي ضمن مشافي الدولة كل بحسب اختصاصه مما يسهل العمل وينظمه.
ويرى شو حكر: أن الطريق أصبح مفتوحا أمام كل من يريد التخصص بعد الحصول على الشهادة الجامعية، وهو أمر مختلف عن شهادة مدارس التمريض التي تعتبر شهادة من الدرجة الثانية ومدتها ثلاث سنوات. وعليه فإن المطالب الإدارية تتركز حول التوصيف الوظيفي للكادر التمريضي، فهناك فئة أولى وفئة رابعة، فلم يعد الجميع من الفئة الثانية والثالثة. وهذا يتطلب توصيف العمل كل بحسب شهادته. حيث تعتبر الفئة الرابعة من القطاع الخدمي بالتمريض بينما يقع على عاتق الفئة الأولى القيام بالدراسات والبحث العلمي لتطوير العمل التمريضي. وبالتالي هناك حاجة ماسة لتوصيف العمل التمريضي.
توسع لا تسرب
وحول نقص الكوادر التمريضية خلال السنوات السابقة وآلية التعويض؟ أفادنا شو حكر بأن التسرب لم يكن كبيرا وإنما هناك توسع في العمل وضغط كبير على نفس الملاك ونفس العدد. وهناك مشكلة الممرضات المتزوجات خارج المحافظة، وهي أمور تحتاج أن يكون فيها قرارات حاسمة لأن الممرضة خارج حدود المحافظة سواء كانت بمشفى الأسد الجامعي أو مشفى دمشق وتزوجت من غير محافظة من الأفضل نقلها إلى المحافظة التي تقطن بها والتي يقيم بها زوجها، وإلا يكون عملها عبئاً على المشفى وعلى حياتها.. مشيرا إلى أن عدد الكادر التمريضي في مشفى الأسد الجامعي يصل إلى 720 عاملا وعاملة على الملاك، وفي هذا العام تحقق العدد الكامل بالاعتماد على مدرسة التمريض والمسابقات لاستقطاب الفئة الأولى والرابعة.
من أقدم المهن
وبينت لينا محمود رئيس قسم التمريض في مشفى المواساة الجامعي أهمية التركيز على التواصل وتبادل الخبرات والمعلومات والمعارف بين الكوادر التمريضية في مشافي التعليم العالي وضرورة التركيز على الجانب العملي في شخصية الممرض وكيف يحافظ على المؤسسة التي يعمل بها، وكيف يتعامل مع زملائه ومع مرضاه ويحافظ على أسرارهم، وكيف يصون هذه المهنة الإنسانية التي تعتبر من أقدم المهن على الأرض. وقالت محمود: كان لدينا تسرب بسبب ظروف الحرب على سورية، إلا أن المشفى استمر في تقديم خدماته بطاقته القصوى، وحاليا لدينا 813 ممرضاً وممرضة في المشفى من كافة الاختصاصات، وهناك اختصاصيون في التخدير والإنعاش والعمليات والمعالجة الفيزيائية والصيدلة والأشعة. ورغم وجود الأزمة عمل المشفى على افتتاح أقسام جديدة، وهذا تطلب اختصاصات تمريضية جديدة مثل الطب النفسي والعلاج الفيزيائي فكان هناك استقطاب طلاب من كلية التمريض لرفد المشفى بالخبرات والمعلومات.
وأشارت رئيسة التمريض إلى وجود لجنة مكلفة بتعديل النظام الداخلي للمشفى بكل الفئات، وبعد الانتهاء من ذلك سيتم توسيع الملاك العددي ودراسة الحوافز، وسيكون هناك مسابقة لرفد المشفى بالكوادر وخاصة بعد الانتهاء من انجاز المجمع الإسعافي الذي يحتاج لأعداد كبيرة من جميع الاختصاصات.
مع الممرضات
رغم أن مهنة التمريض، واحدة من المهن النادرة التي لا يعاني دارسوها أو ممارسوها من البطالة ، بسبب الطلب الكبير عليها من القطاع الصحي ، إلا ان أعدادا لابأس بها من خريجات الجامعات والمعاهد ، يفضلن ترك المهنة والجلوس في البيت أو البحث عن أعمال أخرى على ممارسة مهنتهم التي أخذوا سنوات في دراستها والتمرين عليها. فقد تضمن الحديث مع الممرضات جملة من الأمور المهمة المتعلقة بصعوبة طبيعة العمل، وأهمية تعديل النظام الداخلي في المشافي لتوصيف فئات العمل وتوسيع الملاك العددي ودراسة مسألة الحوافز والتعويضات التي يجب أن تتناسب مع مخاطر المهنة لان عامل التمريض يخالط جميع أنواع المرضى والكثير منهم لديهم أمراض معدية ومزاجيات معينة، وظروف العمل التي يقوم بها صعبة وهذا يحتاج إلى رفع معنويات عمال التمريض من خلال رفع طبيعة العمل أو تخصيص حوافز لهم أسوة بالتخدير والصيادلة.
وقد أشار عدد من الممرضات إلى موضوع إلغاء التأمين الصحي لهن بعد التقاعد وهي الفترة العمرية التي يكون فيها الإنسان أكثر حاجة إلى هذا التأمين وبخاصة بعد خدمة تزيد عن ثلاثين عاما، ويرى هؤلاء أن بقاء التأمين الصحي لمعالجة الأمراض التي تظهر في هذا السن هو جزء من تكريمهن.
دلائل ومؤشرات
يسرى ماليل رئيس نقيب التمريض والمهن الصحية والطبية بينت أن النقابة تقوم بإنجاز مشروع النظام الداخلي والمالي والروابط المهنية وخزانة التقاعد وصندوق التكافل، كما تعمل على استصدار قرار تنظيمي جديد ينظم مهنة التمريض من خلال افتتاح مكاتب خدمات للتمريض تكون نوعية ومميزة، وفقا للمرسوم التشريعي رقم 38 لعام 2012 الذي أتاح الفرصة لتشكيل عشرة فروع في المحافظات لتطوير العمل والتنسيق مع النقابة بما يخدم مصلحة المهن الصحية كافة.
وأشارت ماليل إلى بعض الأرقام المتعلقة بالكادر التمريضي والصحي والذي يبلغ 35 ألفا في مشافي وزارة الصحة ، و10 آلاف في مشافي التعليم العالي ، و4 آلاف في وزارة الدفاع و6 آلاف في وزارتي التربية والداخلية، في حين يبلغ عدد المهن الصحية 40 ألفاً. مبينة ضرورة التنسيق في توزيع الكادر التمريضي على جميع المشافي في المحافظات بحسب الاحتياجات، وزيادة طبيعة العمل. متمنية إحداث البورد العربي للتمريض والقبالة في سورية بعد أن تمت الموافقة عليه من قبل مجلس وزراء الصحة العرب وتم تطبيقه في بعض الدول العربية، حتى يتم وضع آلية الاعتراف بالبورد العربي في ظل وجود قرار تنظيمي يسمح بافتتاح مكاتب تمريضية مؤهلة بشكل فني وصحي عالٍ، لكي يصبح لدينا عيادات تمريضية تخدم المناطق التي لا يوجد فيها مشاف أو مراكز صحية.
ميساء الجردي
التاريخ: الاثنين 16-12-2019
الرقم: 17147