متى نصبح أولوية ..؟

 عندما كنا صغاراً، طرحنا آلاف الأسئلة التي لم نجد لها حينها إجابات في عقولنا الغضة، إذ كنا نربأ أن نوجهها إلى من يجب التوجه إليه، لماذا مثلاً يصر الفلاحون على اصطحاب أبنائهم معهم إلى الأرض، دون أن يكون لهم (لنا) عمل، فقط كن قريباً منا هكذا كانت عبارة أبي لي عندما أرافقه إلى الأرض بمرحلة عمرية ما، الفرجة والتأمل واللهو الذي هو أقرب إلى العبث بالكثير من الأشياء، أقرب منه إلى اللعب.
صحيح أن الترف بالجلوس لم يستمر بعد أن قوي العود قليلاً، وصار بالإمكان أن نمسك بعصا (المنكوش) ونحفر الأرض، أو نلتقط الثمار التي تفرّ هاربة، وحين يطلب منا أن نحفر بضع سنتيمترات لا يصل إليها المحراث اليدوي، وفيها البركة كما يقال لنا.
بكل الأحوال، اليوم أجد الإجابة اليقين، حين أقارن بين الفعل الذي تدعي الكثير من المؤسسات الخدمية، وهو حبر على ورق وتصريحات هوائية تسويفية تبعد ما يجب أن يكون، وتقرّب ما هو ترف لا يوجد حتى في سويسرا، كأن تطلّ علينا جهة ما وتحدثنا عن السيارات العاملة (التي يجب أن تعمل على الغاز يخططون لها) ونحن ننتظر أياماً عدة للحصول على أسطوانة غاز، وكأن تحدثني عن الدفع الإلكتروني، والكهرباء نحلم بها لساعات، ناهيك بخدمات الشبكة التي تقصف العمر.. وقس على ذلك من استراتجيات ما بعد بعد البعيدة المدى.
نحن اليوم، أولاد الساعة، وصحيح من لا يخطط لغده لا يسلم، ولكن الأكثر صحة: لا تحدثني عن جمال شعر نزار قباني وأغاني فيروز وأنا أتضور جوعاً، لا تحدثني عن شواء الكستناء، وأنا لا أجد مازوتاً، ولا تحدثني عن جمال السيارات التي تعبر شوارعنا، وثمة ناقلات خضراء تحشرنا كما المكدوس، لا تحدثني عن التوقيت الدقيق، وثمة من يتعمشق بباب الحافلة ليهرس تحت عجلتها..
ثمة أولويات، يجب أن تكون، لنتعلمها من أسرنا الفلاحية ومعظمنا منها، حين تقطف الثمار، ثمة أولوية للبذار، للقمح، للخبز للباس، لغيره، أمور الترف تأتي بمرتبة ثالثة ورابعة وخامسة، علمتنا رفقة الأرض ونحن صغار أن ترتيب الأولويات للاستمرارية بالحياة، لذلك لم تكن تجد فلاحاً يهمل حراثة أرضه وبذرها بالقمح لأن الخبز أولوية، وحين تأمّن القمح الكافي غرس الأرض بالشجر لأن الشجر مشروع طويل الأجل، والقمح كان للاستمرارية، وقس على ذلك الكثير، نسأل اليوم: هل ما نسمعه من أخبار واجتماعات أولوية؟.
ندرك أننا لسنا بالظرف المثالي، ولكننا صامدون، وأولوية الصمود تأمين لقمة العيش لا نطلب الكافيار، ولا أن نكون قادرين على المرور حتى على أرصفة الفنادق الفخمة، لكن على الأقل ألّا نكون أخباراً عاجلة على صفحات اللا تواصل الاجتماعي، وألّا نُجلد من قبل البعض بتصريحات قابلة لألف تحريف وتأويل، وحين يحل موعد تنفيذها يخترعون ألف حجة للتسويف، وطننا بخير، وشعبنا بخير، لكن للأسف: أولوية روحنا الوطنية (عند البعض) غائبة، بل أكاد أقول: معدومة، ما لدينا يكفينا ويزيد، ونقول لهم: حاصروا حصاركم، نحن بخير، وبغنى عن ما عندكم، لكن ذلك رهن أن نكون أولوية في العمل والتعامل والضمير، وما من أحد منا جميعاً إلا ويجب أن يقف للحظة ويرتب الأولويات، نعم: نحتاج أن نكون أولوية.

ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 20-12-2019
الرقم: 17151

آخر الأخبار
تعزيز الشراكة لتمكين المرأة السورية.. اجتماع رفيع المستوى بين وزارة الطوارئ وهيئة الأمم المتحدة للمر... مناقشة تعزيز الاستقرار وسيادة القانون بدرعا  "الأوقاف" تعيد "كندي دمشق"إلى المؤسسة العامة للسينما  سوريا و"الإيسيسكو" تبحثان التعاون العلمي وحماية التراث الثقافي في سوريا  الاقتصاد تسمح باستمرار استيراد الجلديات وفق شروط "فسحة أمل" بدرعا ترسم البسمة على وجوه الأطفال المهجرين   عشائر عرب السويداء:  نحن أصحاب الأرض و مكون أساسي في السويداء ولنا الحق بأي قرار يخص المحافظة  المبيدات الزراعية.. مخاطرها محتملة فهل تزول آثارها من الأغذية عند غسلها؟ "العقاري" على خُطا "التجاري" سباق في أسعار السلع مع استمرار تصاعد سعر الصرف "الموازي" النباتات العطرية .. بين متطلبات الازدهار وحاجة التسويق 566 طن حليب إنتاج مبقرة فديو باللاذقية.. والإنتاج بأعلى مستوياته أولمبي كرتنا يواصل تحضيراته بمعسكر خارجي ومواجهات ودية حل فعال للحد من مضاربات الصرافة.. مصرفي : ضبط السوق بتجسير الهوة بين السعرين رسمياً المواس باقٍ مع الشرطة الرئيس الشرع يستقبل البطريرك يازجي .. تأكيد على ترسيخ أواصر المواطنة والتآخي شركات التأمين .. الكفاءة المفقودة  ! سامر العش لـ"الثورة": نحن أمام فرصة تاريخية لتفعيل حقيقي  للقطا... "ممر زنغزور".. وإعادة  رسم الخرائط في القوقاز الإنتاج الزراعي .. مشكلات "بالجملة " تبحث عن حلول  وتدخلات الحكومة خجولة ! أكرم عفيف لـ"الثورة": يحت... قبل خسارة صناعتنا.. كيف نستعيد أسواقنا التصديرية؟