قد تخوننا الذاكرة في استرجاع معلومة حفظناها عند امتحان أو ذكرى مضى عليها وقت من الزمن ،ولكنها لا تستطيع أن ترمي في سلة مهملات حياتنا ذكريات السهر والسمر وجلسات عائلية حول مدفأة الحطب أو في مناسبات الفرح والأعياد، لقاءات أسرية فيها الكثير من الحب والتعبير عن المشاركة الوجدانية الخالصة الحقيقية لا الافتراضية ،مجالس تهب دفء الحنين واتصالا مثمرا فعالا للخبرات مشحونا بالأفكار والآراء والاقتراحات لحل مشكلة ما .
تنشيط الاتصالات
الكثير من الأسر تواجه تحديات في عالم تسابقت فيه معطيات ثورة المعلومات والبث الفضائي والاتصالات ما جعلنا نكثر من ذكر كلمة رقابة على أبنائنا ،للمحافظة على ما غرسته من قيم أخلاقية وعلى نظمها ومعاييرها أمراً مضحكاً،وغير مجدي تربوياً ، ولعل الحل يكون بتنشيط الاتصالات لا الواتسية الفيسبوكية ، إنما من خلال لقاءات أسرية إن لم تكن أسبوعية فهي بالضرورة شهرية ،يجد فيها كل فرد من الأسرة صغيراً أم كبيراً الفرصة للتعبير عن فكره ورأيه ،ويجد من يستمع لهمومه ومشكلاته ويحس في ظل الروح الديمقراطية بقيمته وقيمة رأيه، ويشارك في مختلف شؤون الأسرة في حدود ما يسمح به مستوى نموه ونضجه .
عن أهمية هذه اللقاءات تقول د.سبيت سليمان ،مديرة البحوث في وزارة التربية :أنه لابد من جلسات منتظمة أسبوعية أو شهرية للأسرة الواحدة ،يتعاونون في اتخاذ القرارات وتحمل النتائج، وتنبع أهمية هذه اللقاءات لكونها تفرض احتراما حقيقيا بين أعضاء الأسرة الواحدة وتجعلهم أكثر استقراراً وعطاء في جو من النظام والأمل وتعزز الأمن النفسي .ومن الفوائد الهامة تكوين القيم الاجتماعية والعلمية وهنا لابد من الانتباه أن تكون هذه الأهداف واقعية أي في مقدور الأولاد تحقيقها في حدود إمكانياتهم ولا يحلق الآباء في طموحات وأحلام يعجز عنها الأبناء ويجب التنسيق بين أهداف أفراد الأسرة حتى لا تتعارض ولا تتضارب.
وتقسم سليمان تلك الأهداف إلى كبيرة وبعيدة المدى ، وأخرى صغيرة وقريبة حتى لا يشعر كل فرد بالسعادة والرضا كلما تمكن من تحقيق هدف ، وبملء إرادة الجميع يحدد اللقاء الأسري قواعد وأسس ونظم لأفرادها لا يجوز تجاوزها والخروج عنها بشرط أن تكون منطقية ومقنعة ..مثل تحديد موعد للوجبات المنزلية ..والواجبات المدرسية ..وموعد للنوم مع أهمية وضرورة اختيار الوقت المناسب للقاء الأسري ويتم اختيار مدير للجلسة بالاتفاق مع الجميع .
وتؤكد د.سليمان على عدم إجبار الأطفال على الحضور قسراً بل تحريض رغبتهم بطريقة غير مباشرة في اللقاء الأول ،كأن نخبرهم أن باستطاعتهم طرح ما يزعجهم من الأخوة والأصدقاء وحتى تصرفات الآباء التي قد تضايقهم على شكل أوامر وتهديدات ووعيد وبكل صراحة وسيجدون الحلول في اللقاء دون غضب أو تذمر وبلغة الحب والحوار الأفقي ،وبذلك يتعود أفراد الأسرة مع تكرار هذه اللقاءات على التخاطب مع بعضهم بطريقة مريحة بعيدة عن الشجار والعناد والحرص على المحافظة على راحة الآخر ..ومسك ختام هذا اللقاء يجب ان يكون بشكل مفرح ومريح كأن يتم إحضار قالب كاتو صنع «ست الكل» مع التأكيد على التنويع من التحفيز المادي والمعنوي.
حسن الإنصات
لو حاول كل منا إغماض عينيه واستعرض شريط الذكريات لوجد أن هناك ذكريات لا تنسى أبداً وخاصة المفرحة منها وما كان يدور بين الآباء والأبناء من ضحك وتسلية وحب ،فالأسرة التي تنشط فيها الاتصالات بين مختلف أفرادها ،ويتقن الآباء حسن الإنصات إلى كل ما يقوله الأبناء وفن التحدث معهم والاستماع إلى مشاكلهم ومتاعبهم هي أسرة سعيدة متماسكة،تعي وتدرك أنها الحاضن الأول للوعي .
التاريخ: الأربعاء 1- 1 -2020
رقم العدد : 17159