يأخذ موضوع تأمين الأطراف الصناعية وتركيبها لمصابي الحرب والمعوقين أولوية لدى الجهات الرسمية والأهلية في سورية وخاصة بعد أن ارتفع عدد المواطنين الذين تعرضوا لحالات بتر الأطراف منذ بداية الحرب الإرهابية والحوادث المختلفة.. حيث أظهرت عدة جهات اهتماماً واضحاً بإعادة تأهيل المبتورين وتركيب الأطراف الاصطناعية لهم وإدراج اختصاص الطب الفيزيائي وتدريب هذا الاختصاص في السنة الخامسة في كليات الطب, إضافة إلى إنشاء الكثير من مراكز إعادة التأهيل وتركيب وصناعة الأطراف الاصطناعية في القطاعين العام والخاص, واستقبال جميع المبادرات التي تخدم هذا الهدف الإنساني.
الأثر الإيجابي
وعليه فإن الإسهام في تركيب أطراف صناعية بديلة يساعد هؤلاء الأشخاص على استعادة وتيرة حياتهم الطبيعية يعتبر الهدف الأسمى لمبادرة الهند للإنسانية التي أطلقت في 25 كانون الأول الماضي ،بالتعاون بين وزارتي الشؤون الاجتماعية والعمل والصحة والسفارة الهندية بدمشق والمستمرة حتى نهاية الشهر الحالي لتركيب 500 طرف صناعي لمستفيدين من مختلف المحافظات وذلك في معهد التأهيل المهني للأشخاص ذوي الإعاقة بدمشق.
وأكدت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل ريمة قادري أن هذه المبادرة هي الأولى من نوعها على المستوى الدولي وتأتي بدعم حكومي لتكون لبنة إضافية للتعاون بين الجانبين السوري والهندي في المجالات الإنسانية، مشيرة إلى الأثر الإيجابي الذي يحققه هذا المشروع بالتزامن مع ما تحققه المبادرات الأخرى المحلية في إعادة هؤلاء الأشخاص إلى حياتهم الطبيعية وتمكينهم من العمل،منوهة في الوقت ذاته بأهمية استدامة هذه المبادرة للوصول إلى إقامة مركز سوري هندي مشترك مختص بتركيب الأطراف الصناعية.
تأتي المنحة كمساعدة للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المتضررين والمحتاجين لأطراف صناعية. وبخاصة بعد أن قامت الوزارة بتوفير البيانات وتنسيق الأسماء للأشخاص المحتاجين للمساعدة عن طريق المتقدمين للوزارة بطلب لهذه الخدمة أو عن طريق البيانات الموجودة عند وزارة الصحة أو عن طريق الجمعيات الأهلية، حيث تم تجميع البيانات المتعلقة بكل منهم مع التأكد من الحالة الاجتماعية وتوفير المكان المناسب وتأمين الكوادر التي تواكب العمل في هذه المبادرة منذ اللحظة الأولى لانطلاقها.
وبين السفير الهندي بدمشق حفظ الرحمن: أن هذه المنحة هي لتأكيد العلاقات المتأصلة بين البلدين ولدعم الشعب السوري في حربه ضد الإرهاب، وهي الأولى لكنها ليست الأخيرة، مشيرا إلى توسيع المبادرة لتصل إلى 600 مستفيد من الأشخاص الذين فقدوا جزءاً من أجسادهم في هذه المحنة، إضافة إلى تقديم دورة تدريبية في الهند للاختصاصيين السوريين في مجال تركيب الأطراف الاصطناعية ضمن المنح التدريبية المقدمة من قبل وزارة الشؤون الخارجية الهندية لتكوين القدرات.
أكثر من 13 شخصاً يوميا
من جانبه تحدث مدير معهد التأهيل المهني للمعوقين الدكتور محمد هادي مشهدي عن وجود الكثير من المتقدمين للحصول على أطراف صناعية من كافة المناطق السورية، إذ يتم التركيز على الأشخاص الذين لم يركبوا سابقا أي طرف وعلى الأعمار الكبيرة، وذلك وفقا للمعدات والمستلزمات التي يقدمها الجانب الهندي. لافتا إلى أهمية هذه المنحة في دعم من فقدوا طرفاً أو أكثر بسبب مختلف أنواع الحوادث منها الحربية أو السير أو نتيجة لإصابة مرضية أو خلقية حيث يصل المعدل الوسطي لتركيب الأطراف الصناعية إلى نحو 13 شخصاً في اليوم. وبينت مديرة مركز إعادة التأهيل وتركيب الأطراف الصناعية بوزارة الصحة الدكتورة رفيف ضحية أن دور الوزارة تمثل في الجانب الإشرافي والمتابعة الطبية من خلال فحص الأشخاص المستفيدين من المشروع وتقييم حالتهم طبياً ومستوى البتر وتحديد مدى مناسبة الطرف المصنع لها ومتابعة الحالة بعد التركيب.
الطلب كبير جداً
مديرة الخدمات الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ميساء ميداني أشارت إلى وجود أشخاص يراجعون بشكل يومي المعهد طلبا لطرف صناعي، ونظرا لظروف الحرب التي استمرت تسع سنوات هناك أشخاص لم يتمكنوا من الحصول على هذه الخدمة رغم وجود العديد من المراكز والجمعيات التي بدأت تعمل على تصنيع وتركيب أطراف صناعية، وذلك بسبب زيادة الحاجة إليها، ولفتت إلى أنهم حاليا في طور بناء قاعدة بيانات حول الأشخاص الذين حصلوا على طرف صناعي والأشخاص المحتاجين لذلك والجمعيات التي تعمل بهذا الاتجاه أو التي بدأت تغير من أهدافها لتعمل على تقديم الأطراف الصناعية إضافة إلى وجود معمل للأطراف الصناعية في سورية.
وأشادت ميداني بالمنحة وما يترتب بعدها من ميزات تتعلق بإرسال أشخاص للتدريب خارجا على تقديم التقنية على نفقة الحكومة الهندية الأمر الذي يقوي كادر الوزارة والجمعيات.
مع المستفيدين
اللقاءات مع الأشخاص الذين حصلوا على حاجتهم من الأطراف المصنعة كشفت عن أكثر التجارب إيلاماً وصعوبة في حياة الإنسان عندما يفقد أحد أطرافه ويصبح عالة على الذين حوله، يقول ماهر صالح من بانياس: أريد أن أستخدم يدي اليمنى بشكل عادي والقيام بعملي وأتمكن من خدمة نفسي، مشيرا إلى أن هذه المبادرة كانت فرصته الأولى التي حصل عليها بعد طول انتظار للحصول على طرف علوي ليده اليمنى، وهي مصادفة مفرحة وصلت إليه عن طريق اتصال هاتفي من قبل المعهد.
يقول أحمد عبيد من ريف دمشق معبرا عن سعادته لكونه يسير على قدميه بعد سنوات طويلة من الحرمان من هذه النعمة: إن لديه بتر قديم لثلاثة أطراف هي: القدمان واليد اليمنى إضافة لبعض الأصابع من اليد اليسرى، وهذا المشروع كان سببا في تحقيق حلمه بالوقوف على قدميه من جديد. فلم يخف عبيد فرحته الكبيرة وهو يمشي ذهابا وإيابا بفضل أطرافه الصناعية الجديدة بعد انتظار دام أكثر من 16 سنة، شاكرا حسن المعاملة ودقة الصنع وبخاصة بعد أن أكدوا عليه ضرورة مراجعة الجمعية أو المعهد في حال واجهته أي صعوبة.
أيضا وبمساعدة إدارة المعهد تعرف إبراهيم الحجة من اللاذقية على هذه المبادرة ، بعد معاناة استمرت عشرين عاما كان يطمح خلالها لاستبدال طرفه الصناعي القديم بآخر جديد يمكنه من متابعة مهامه وبخاصة أن الحجة هو بطل الجمهورية في ألعاب القوى البدنية وفي ريشة الطائرة ولاعب في منتخب السلة على مدار العديد من السنوات.
وبين الحجة أن عملية بتر ساقه اليسرى من المفصل العلوي كان سببها حادث سير قديم، إلا أن ذلك لم يمنع من العيش حياة طبيعية في ممارسة الرياضة والتفوق، إضافة لكونه يعمل سائقا لتكسي عمومي. ناصحا جميع من فقد أطرافه واضطر للاعتماد على البدائل بعدم الاستسلام للإعاقة وممارسة الرياضة وبخاصة أن هذه الإصابات ليست منذ الطفولة وإنما نتيجة لظروف معينة وحوادث.
على مرأى من الجميع وبملامح خجولة كان رجل عمره يفوق الستين عاما يتدرب على المشي بعد تركيب الساقين الصناعيين ويرافقه الفنيون لمعرفة صحة القياس وإمكانية المتابعة في استخدامه، وبكثير من الثقة بالنفس يقول أصبحت قادرا على الحركة ولا أحتاج لمن يخدمني.
حال هؤلاء يشبه المئات من المصابين في الحرب أو الحوادث أو ظروف مختلفة إذ حتى الآن تغيب الإحصاءات الدقيقة حول عدد الأشخاص المحتاجين لأطراف صناعية، ولكن دائما هناك مبادرات والمساعي لتأمين الطلب المتزايد على الأطراف الصناعية. ليتمكن هؤلاء من العودة للاندماج بالمجتمع وممارسة حياتهم الطبيعية.
ميساء الجردي
التاريخ: الخميس 9-1-2020
الرقم: 17164