الملحق الثقافي:سلام الفاضل:
نهاد قلعي أحد أهم أعمدة الفن السوري، حمل على عاتقه عبء النهوض بالدراما منذ بداية الستينيات، هو فنان قدير ومعروف في الأفلام السينمائية والدراما التلفزيونية والمسرح، فنان ذو حس مرهف، كان يُضحك الناس أحياناً، ويبكيهم أحياناً أخرى. هو نجم لم يحقق شهرته بسهولة، ولم يلمع اسمه في مجال الدراما والمسرح بالحظ، بل عمل بدأب حتى وصل إلى هدفه. عشق السينما، وأعطى بسخاء على خشبة المسرح، وكان ضيفاً مرغوباً فيه على شاشة التلفزيون.
وكونه عَلماً سورياً كان له دور في تأسيس المسرح القومي، وساهم في العمل في الدراما التلفزيونية منذ نشأة التلفزيون السوري، إلى جانب ما قدمه من أعمال سينمائية بارزة، فقد أفردت له سلسلة «أعلام ومبدعون» الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب، أفردت له عددها هذا الشهر، الذي حمل عنوان (نهاد قلعي)، تأليف: هناء أبو أسعد، للحديث عن نتاجاته الإبداعية، والوقوف عند أبرز المحطات في حياته، وفنه.
المولد والنشأة
ولد أحمد نهاد الخربوطلي القلعي، في حي ساروجة الدمشقي لأسرة متوسطة الحال. انتقل في طفولته إلى مدينة زحلة اللبنانية، حيث كان والده يعمل رئيساً لمصلحة البريد فيها، ثم عاد في أواسط الثلاثينيات مع أسرته إلى دمشق. درس الابتدائية في مدرسة البخاري، وفيها بدأت تظهر ميوله الفنية حيث كان يشارك في الاحتفالات المدرسية بإلقاء الخطب والقصائد، ثم انتسب، بعد إتمامه المرحلة الابتدائية، إلى مدرسة التجهيز الأولى، حيث تتلمذ على يد الأستاذ (عبد الوهاب أبو السعود) الذي عُرف عنه اهتمامه بجميع أنواع الفنون، فكان يحضّر المسرحيات، ويدرب الطلاب عليها، ليقدموها أمام ذويهم في نهاية العام الدراسي.
بدأ حلم نهاد قلعي في الفن يتبلور، منذ ذلك الوقت، وبعد إحالة والده على التقاعد، اضطر نهاد إلى ترك المدرسة والبحث عن عمل، بعد حصوله على شهادة البكالوريا.
عمل نهاد قلعي بداية مراقباً في معمل للمعكرونة، وتوظّف بعد فترة من الوقت في الجامعة كضارب على الآلة الكاتبة، وبقي ست سنوات، ثم انتقل إلى وزارة الدفاع بالوظيفة نفسها، ليعمل لاحقاً مساعداً لعميل جمركي، حيث استمر خمس سنوات، ليبدأ، بعد مدة وجيزة، العمل بمفرده إلى أن دخل مجال الفن.
ولادة المسرح القومي
في طفولته انتسب نهاد قلعي إلى «نادي الفنون الجميلة»، وكان هذا النادي آنذاك من أهم نوادي المسرح في سورية، ثم، وفي أوائل عام ١٩٤٦، انتسب نهاد إلى نادي «استديو البيرق»، وكانت أول مسرحية له بعنوان «جيشنا السوري»، ليؤسس لاحقاً، وفي عام ١٩٥٤ «النادي الشرقي» مع الأساتذة سامي جانو، وعادل خياطة، وعدنان عجلوني، وغيرهم، حيث قدم هذا النادي أول مسرحية له بعنوان «الأستاذ كلينوف»، وكان دور نهاد فيها كوميدياً، وبهذا الدور اكتشف في نفسه الحس الكوميدي، كما يقول في أحد تصريحاته.
ما بين عامي (١٩٥٩ – ١٩٦٠) ظهرت فكرة تأسيس المسرح القومي في «الإقليم الشمالي»، وأسندت هذه المهمة إلى نهاد الذي نجح في تأسيسه بدعم من الدولة، بهدف الارتقاء بالحس الفني للبلد، وكان أول مدير له، وقدم معه عدداً من المسرحيات منها: (المزيفون) عام ١٩٦٠، و(البرجوازي النبيل) عام ١٩٦١، و(مدرسة الفضايح) عام ١٩٦٣ وغيرها.
التلفزيون
بعد خمسة عشر عاماً من العمل في المسرح، جاءت ولادة التلفزيون السوري، وبدأ نهاد العمل فيه منذ اليوم الأول لافتتاحه في ٢٣ تموز عام ١٩٦٠، بعد أن دعي للمشاركة في برنامج المنوعات «الإجازة السعيدة» الذي يعرض في سهرة الخميس، والذي قدمه مع مجموعة من الفنانين منهم: دريد لحام – محمود جبر – غازي الخالدي وسواهم. وكان هذا البرنامج هو محطة اللقاء التي جمعت نهاد قلعي بدريد لحام، حيث شكلا معاً طوال سنوات امتدت إلى أواسط السبعينيات أول ثنائي تمثيلي عربي، من خلال شخصيتي (غوار الطوشة، وحسني البورظان)، وقدما الكثير من الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية المحببة إلى الجمهور.
مرضه وكتابته للأطفال
في نهاية السبعينيات أصيب الفنان نهاد قلعي بشلل نصفي إثر تعرضه لحادث أليم، لكن سنين المرض والعلاج الطويلة لم تمنعه من متابعة نشاطه الفني، فقدم الكثير من الأعمال الإذاعية، وشارك في فيلم «عندما تغيب الزوجات»، ومسلسل «عريس الهنا»، كما ألف قصصاً مصورة للأطفال نشرها في مجلة «سامر» التي كانت تصدر في بيروت حينها، مستخدماً شخصية (حسني البورظان)، و(ياسينو)، إضافة إلى شخصية خيالية فرنسية اسمها (شارلي).
استمر الفنان نهاد قلعي بالعطاء إلى أن تدهورت حالته الصحية إثر نزيف داخلي قوي، نقل نتيجته إلى المشفى على الفور، حيث توفي بعد تعرضه لأزمة قلبية لفظ إثرها أنفاسه الأخيرة، وكان ذلك في عام ١٩٩٣، إذ رحل الفنان الذي أضحك الملايين، وشُيع جثمانه في موكب رسمي وشعبي، ضم كثيراً من الجماهير التي أحبته وأحبت فنه.
التاريخ: الثلاثاء14-1-2020
رقم العدد : 982