العوامل التي تتحكم بالعدوان على سورية، وبكل صيغها تتجه نحو المحرق وتتضافر لتصوغ في المحصلة أقسى مستويات الأزمة عبر أعلى ظروف الصمود والمواجهة، وفي نقطة اللقاء عبر المحرق تجتمع النقائض وقد أرادوها أسلحة مسمومة لإخضاع الوطن السوري لما يريدون ولما يطيقون، ولطالما أدرك العالم كله عدوه قبل صديقه أن الحرب الهمجية على سورية مركبة العوامل والأهداف، وهكذا يدخل عامل الحصار والتجويع بما يؤكد عامل العدوان العسكري على الأرياف والمدن السورية وهكذا تجري عملية استثمار الفساد في الداخل باعتبارها سلاحاً مضافاً ومفتعلاً بالأساس، ولعلها المرة الأكثر وضوحاً في تاريخ البشرية المعاصرة حينما تجتمع العوامل كلها بصياغة وتنفيذ الجريمة ضد بلدنا الحبيب، وكما حالة العدوان مركبة كذلك الصمود والصبر والردَّ والردع وخوص المعارك بهذا الأفق الواسع وبهذه المناخات المعقدة هو اتجاه مركب أيضاً وهذا ما أضفى على الصمود الوطني السوري صفة الثبات والاستقرار والتطور والاستمرار، إن المنهج الذي أدخلوا من خلاله عوامل التدمير والفتنة يتألف بصورة عامة من أبعاد ثلاثة هي الأصل في تكوين منظومة الموت والحقد والمعاناة في الوطن السوري:
1- في البعد الفكري والإعلامي والنفسي رتبت القوى المعادية لسورية الموعد الإجرامي على مدى كل هذه السنوات على أساس تفكيك المجتمع السوري وإحداث شروخ فيه، والاعتماد على الخطوط الغرائزية في الحرب العسكرية والتدميرية ولعل هذا البعد وجد أفراداً وشرائح وعناوين جافة سوداء صاغت بمجموعها درجة من التمهيد للإرهاب ثم رافقت الإرهاب في كل معاركه في الزمان السوري الذي صار تاريخاً وفي المكان السوري الذي تحول إلى مساحات لا حدود لها من السمّو والتضحيات عبر الشهادة والشهداء وتحمل المصاعب والصبر على الجوع واحتمالات الخطر من الداخل وعلى الأطراف.
2- بعد ذلك جاء دور البعد العسكري الذي يعتمد على السلاح الحديث وخبرة استخدام هذا السلاح على الأرض وفي الجو والذي أكد أن الإرهاب هو جزء عضوي من الاستعمار الغربي والصهيوني، وقد فعلت القوى الراعية للإرهاب كل ما من شأنه لوجستياً وتنظيمياً وقتالياً أن يوصل المشروع الإرهابي إلى هذه الدرجة من الانتشار، والتحول من الميليشيات إلى جيوش شبه نظامية والاستفادة في ذلك من الجغرافيا عبر الجوار، سواءٌ من الغرب حيث الاحتلال الصهيوني للجولان، أم من الشمال حيث الهمجية التركية الصارخة، أم من منافذ أخرى ما زالت تشكل جرحاً نازفاً سواءٌ في الأردن الشقيق أم في لبنان المعاصر، والعلاقة البنيوية واضحة ما بين الاستعمار المؤسس لمشروع العدوان والعوامل المستثمرة في استمرار هذا العدوان سواءٌ في بنيته الأساسية أم في الاستحداثات التآمرية الاجتماعية في الداخل السوري كما هو المثل في وجود بعض الضالين من ((شعبنا الكردي)) ووجود من صدق أنه جاء لينفذ إرادة الله في الجهاد من قبل كل الغرباء في قارات هذا العالم، واعتمدت القوى المعتدية إلى نشر صيغ الإرهاب على تيار الزمن والتحولات في الميادين العسكرية القتالية.
3- ولعل البعد الثالث كان يتأسس ويتجه نحو تحويل الصراع إلى حالة مرضية ومدمنة وقد أدرك الآخرون بأن عليهم أن ينتقلوا مع مشروعهم إلى نظرية استنزاف الوطن السوري بعد أن استعصى عليهم أن يُنجزوا وعداً واحداً في ميادين القتال، وهكذا صار الأمر الأهم لديهم يتمثل في تجذير وفي استمرار حالة العدوان بكل الوسائل والأسلحة التي راحوا يغرقون الوطن بها، ومن الواضح بأن منهاج الاعتداء في المدة الزمنية الراهنة تحرك باتجاه أن تكون العلاقة عضوية متطورة ما بين القوى الاستعمارية الغربية والصهيونية ومنظمات الإرهابيين والعمل على إنهاك الدولة السورية وإظهارها على أنها عاجزة عن تسديد حاجات الشعب ولا سيما الأساسية منها، وكان يتفاعل من الزوايا المعتمة هذا النموذج من إطلاق الخلايا النائمة فردية كانت أم جمعية إذ المهم هو أن تنتشر مظاهر الاغتيال والتفجيرات الجبانة واستغلال الحاجات الإنسانية التي يأخذها الجيش العربي السوري باستمرار في الحفاظ على الأرواح البشرية وعلى المصالح الوطنية والممتلكات الجماعية والعامة بمعنى أنهم قد رسموا لأطوار متعددة من الهجوم على الوطن السوري ومع جرائمهم المتكررة سواءٌ أكانوا قوى محتلة مثل أميركا وتركيا وفرنسا أم كانوا تيارات وتنظيمات إرهابية بما يجمعها من حقد على وطننا وحضارتنا التاريخية، وباستمرار كان الأداء الوطني السوري في مستوى وحجم التحديات وفي مستوى التفوق على الذات الأمر الذي نقل الموقف الوطني إلى الإنجاز فالإعجاز.
د. أحمد الحاج علي
التاريخ: الاثنين 20-1-2020
الرقم: 17172