أسفرت التهديدات التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب والموجهة إلى حلفائه بشأن إيران عن نتائج عكسية، إذ دفعت بالقادة الأوروبيين إلى الإعلان بصراحة ودون توجس عن تقليص تحالفهم مع الولايات المتحدة الأميركية.
ذلك لأن ترامب قد أنذر أوروبا بشن حرب تجارية جديدة إن هي عمدت إلى تحدي توجهاته بشأن إيران. وها هم الأوروبيون يتحدثون اليوم علانية عن تقليص علاقاتهم مع الولايات المتحدة. وبذلك فقد كشف قرار الرئيس دونالد ترامب باغتيال القائد الإيراني قاسم سليماني عن الصدع المتزايد عبر المحيط الأطلسي.
أظهر قرار ترامب -باغتيال سليماني-الخلافات المتصاعدة التي تسود العلاقات بين الولايات المتحدة وأقرب حلفائها تاريخياً في أوروبا، إذ قوبل الهجوم بمستوى ملحوظ من الانتقادات التي وجهها القادة الأوروبيون.
فنجد أن المملكة المتحدة تهدد بتقليص تحالفها الدفاعي الطويل الأمد مع ترامب، كما أن ألمانيا لم تتورع عن الإعلان على الملأ أن علاقاتها مع الولايات المتحدة آخذة في الانحسار والتراجع. وإزاء تلك التصريحات، انبرى ترامب إلى تهديد القادة الأوروبيين بحرب تجارية جديدة في حال استمرارهم بالالتزام بالاتفاق النووي مع إيران المبرم عام 2015. وبدلا من أن يذعن الأوروبيون إلى رغبات ترامب كما كان يأمل فقد كانت النتائج عكس ما يرغبه، إذ أبدى العديد من القادة الأوروبيين عدم اكتراثهم للإبقاء على التحالف عبر المحيط الأطلسي.
وسنعرض الأسلوب الذي ينهجه حلفاء ترامب الدوليون للتخلي عنه عندما أعلنت إدارته عن سعيها لعزلهم. فهاهي المملكة المتحدة تهدد بتغيير العلاقات الدفاعية في حين حصل رئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون سابقا على مباركة ترامب عندما تولى منصبه، وكان حريصا على البقاء قريبا من الإدارة الأميركية، لكن على ما يبدو أن أمر ترامب باغتيال سليماني قد أحدث تحولا ملحوظا في التقارب بين رئيس الوزراء البريطاني والولايات المتحدة.
ذلك لأن عشية اغتيال سليماني في غارة جوية نفذتها طائرة دون طيار في العراق، لم تُعلم الولايات المتحدة حليفتها بريطانيا بما تزمع القيام به. وفي هذا السياق، أعلن وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب أن هذا الصراع «ليس في مصلحتنا»، وأضاف: «إن الرابح الأكبر من الحرب مع إيران لن يكون سوى تنظيم داعش الإرهابي». وقد أعرب جونسون عن معارضته للسياسة الأميركية وطلب من ترامب العدول عما يزمع القيام به، محذرا من استهداف المواقع الثقافية الإيرانية لأن مثل هذا التصرف سيعد جريمة حرب.
أما وزير الدفاع البريطاني بن والاس فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، إذ صرح لصحيفة صنداي تايمز بأن السياسة الخارجية الانعزالية لترامب دفعت بالمملكة المتحدة إلى التفكير في تقليص علاقاتها الدفاعية مع الولايات المتحدة. وقال والاس: «ينتابنا القلق في حال انسحاب الولايات المتحدة مما دأبت عليه من قيادتها للعالم»، وأضاف: إن «افتراضات عام 2010 التي تعتبر بأننا سنكون دائما جزءا من تحالف أميركي ليست هي الحقيقة برمتها وسنكون في الموقع المناسب لنا».
من جانبها نبهت ألمانيا التحالف الأوروبي من انهيار الولايات المتحدة في أعقاب اغتيال سليماني، وحذر ممثل الحكومة الألمانية الولايات المتحدة من الانصراف إلى صراع آخر، وقال للصحفيين إن تدخل ترامب يقود إلى «تصعيد خطير». وقد أثار الهجوم جدلاً مفتوحاً حول أهمية التحالف الأوروبي مع الولايات المتحدة. وفي الآونة الأخيرة، تحدثت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بصراحة عن تدني أهمية التحالف الأوروبي مع الولايات المتحدة. وقالت لصحيفة «فاينانشيال تايمز»: «لقد حدث تحول»، مضيفة أن «تركيز الولايات المتحدة على أوروبا قد أخذ بالتدني وسيستمر هذا الوضع بوجود أي رئيس آخر للولايات المتحدة» وفي هذا السياق استطردت ميركل القول: «نحن في أوروبا، وخاصة في ألمانيا، ينبغي علينا تحمل المزيد من المسؤولية».
أما فرنسا فترفض تهديدات ترامب بشأن الاتفاق النووي فقد كان لفرنسا إلى جانب المملكة المتحدة ودول أوروبية أخرى، دور في المساعدة بصياغة علاقة جديدة مع طهران والحفاظ عليها من خلال الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015. وقد سبق لها أن انتقدت بشدة قرار ترامب في أيار عام 2018 بانسحاب الولايات المتحدة من تلك الصفقة، كما أن الحكومة الفرنسية دعت إدارة ترامب إلى التراجع عن الدخول في أي صراع آخر. لكن إدارة ترامب قابلت تلك التصريحات بالتهديد بشن حرب تجارية جديدة على أوروبا، وفرض ضرائب إضافية على السيارات الأوروبية إذا ظل القادة الأوروبيون ملتزمين بالاتفاق النووي الإيراني. إلا أن النتيجة هو أن فرنسا انضمت إلى ألمانيا والمملكة المتحدة في التوقيع على بيان يدعم الإبقاء على الصفقة، مع إطلاق آلية فض النزاع التي تهدف إلى التزام إيران بالخط المرسوم والمتفق عليه.
iran-daily
ترجمة: ليندا سكوتي
التاريخ: الخميس23-1-2020
الرقم: 17175