هناك إشكاليات والتباسات ومغالطات كبيرة، في تقييم فناني الحداثة التشكيلية وما بعدها، وأول إشكالية تكمن في أن معظم الكتابات تضعهم في خانة واحدة، بدلاً من تقييم كل فنان اعتماداً على مدى تأثيره على الأجيال المتعاقبة، فبدايات الحداثة التشكيلية ظهرت مع الجيل الأول من الفنانين السوريين الرواد المحدثين، الذين حققوا اليقظة الأولى للانطباعية السورية (ميشيل كرشة ونصير شورى) في مرحلة الأربعينيات، والمرحلة الثانية كرست موجات الحداثة التعبيرية والتجريدية في الفنون السورية التي ظهرت منذ مطلع الستينات.
ففاتح المدرس ترك تأثيرات واضحة على العديد من الفنانين من كل الأجيال، كذلك محمود حماد (أول من أطلق اللوحة التجريدية الحروفية السورية) ونصير شورى (رغم بداياته الانطباعية) قارب في بعض مراحله التجريد اللوني، وبذلك كان له (إلى جانب ميشيل كرشة الذي أخلص للانطباعية) تأثير على العديد من الفنانين.
ولؤي كيالي الذي تميز برسم معاناة الفقراء والبؤساء والمأساة الإنسانية الكاملة، سرعان ما تأثر به العديد من الفنانين، كما تركت لوحات عمر حمدي تأثيرات مباشرة وواضحة على العديد من الفنانين، وخاصة القادمين من منطقة الجزيرة السورية، وأدهم إسماعيل مع شقيقه نعيم اسماعيل كان لهما دور ريادي في فتح الباب على مصراعيه أمام أجيال من الفنانين، الذين كانوا يبحثون عن أصالة وحداثة في اللوحة السورية المعاصرة. حتى أننا نجد بعض الفنانين الذين ينتمون إلى جيل الحداثة الرابع (الذين برزوا في الثمانينيات والتسعينيات) قد أعطوا اختبارات الحداثة نفحات وإيقاعات جديدة..
وهذا يعني أن هناك تابعين ومتبوعين في الفن، وهناك جذوع وفروع في شجرة التشكيل السوري الحديث والمعاصر. وعمق النقد السوري يكمن في مدى القدرة على تحديد الأسماء، التي فتحت المجالات والآفاق أمام الأجيال الفنية المتعاقبة، على مدى سنوات أو عقود الحداثة التشكيلية.
أديب مخزوم
التاريخ: الأحد 26-1-2020
الرقم: 17177