لن أحدّثكم عمّا كَتَبهُ الشعراءُ منذ المهلهل وزهير بن أبي سُلمى وصولاً إلى جاك بريفير في ذمّ الحربِ وهجائِها، لكنني سأنقُلُ لكم ما كتَبَهُ ستيفن غاونز الكاتب الكندي في عَمَلِهِ «حربُ واشنطن الطويلة على سورية»، وقد صدر عن الهيئة العامة السورية للكتابِ منذ أيام بترجمةِ الدكتور غياث بركات وهو حديثٌ ليس أدبياً أو فنيّاً على كُلِّ حال.
عَرّفَ هالدان، وهو عالم اجتماعٍ بريطاني الحربَ بأنها قذفُ العدوِّ بقطعٍ ومواد معدنيّة بهدفِ قتِلهِ، وهي تجارةٌ عسكريّة بكلِّ معنى الكلمة، ورأى كلوزينز أنّ الحربَ هي فرضُ إرادةِ المعتدي على من يحاربه؛ وبالتالي فالحربُ هي تجارةٌ رأسمالها هو الجنود، والحصارُ بأشكالِهِ ولا سيّما الاقتصادي هو شكلٌ من أشكالِ الحربِ أو أداة من أدواتها، هدفه تجويعُ العدو وتركيعه؛ ومن الأمثلةِ الشهيرة على ذلك الحصار البحري الذي فرضته بريطانيا على ألمانيا في الحرب العالميةِ الأولى، وأدى إلى مقتل 750 ألف مواطن ألماني.
وما مَرّ من الزمن ما يجعلنا ننسى ذلك الحصار الاقتصادي، بل الحرب الاقتصاديّة – كما يسمّيها جون وكارل موللر المتخصصانِ في العلوم السياسيّة – على العراق منذ عام 1990 من قبل الولايات المتحدة بحجة سلاح الدمار الشامل، ونعلم جميعاً أن تلك الحجّة كانت باطلةً، وأدى الحصارُ المذكور إلى وفاةِ الملايين من أبناء الشعب العراقي قبل الدمار الشامل الذي فعلته أميركا بقوة السلاح في العراق ومازال الناس يحصدونَ ثماره العفنة حتى اليوم، وقد أشار أحد وزراء الخارجيّة الأميركيّة إلى أنّ «الوفيات هي ثمن بسيط لبلورةِ وتنفيذ الاستراتيجيّة الأميركيّة في البلدان العربيّة الغنيّة بالنفط»، على حين لم يتأثرّ رجلُ أعمالٍ واحد في سوق المال الأميركي، ولا مسؤول واحد في واشنطن، ولم يمت مواطن أميركي واحد نتيجة لهذا الحصار أو سواه!! وها هي كل أشكال الحصار المفروضة على سورية وآخرها قانون قيصر، تكشف وجه الولايات المتحدة الحقيقي من جديد.
وفي هذا السياق فقد عَرَّفَ بايكلوتينز الحصار الاقتصادي بأنّهُ شكل من أشكال الحرب، فإذا اتفقنا – وفق رأي هؤلاء الباحثين وهم ليسوا عَرَباً – على أن الحرب، هي مجموعة الأعمال والجهود لفرض الإرادة من جهةٍ ما على أعدائها عن طريق الإيذاء، فإن الحرب تتضمنُ وجوهاً مختلفة، لعلّ أبرزها:
– التهديدُ باستخدام القوّة النوويّة.
– تدريبُ وتسليحُ مجموعاتٍ من العصابات لمحاربةِ العدو.
– الحصار الاقتصادي.
– التهديد بالغزو.
– دَعْم مجموعاتِ المُعارضة الداخليّة لتنفيذ حملات تحريض وشَغَب ومنع الاستقرار الداخلي في البلد المُستهدَف وغيرها من الوجوه التي استخدمتها الولايات المتحدة الأميركيّة وحلفاؤها ضد بلادنا.
– التخريبِ والتدمير.
د. ثائر زين الدين
التاريخ: الأحد 26-1-2020
الرقم: 17177